|
شؤون سياسية فإسرائيل التي وافقت على اتفاق التهدئة مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة لا يعني أنها راغبة بالسلام العادل والشامل أو أنها بذلك تعطي فرصة لإنجاح مفاوضات الحل النهائي مع الجانب الفلسطيني ولاسيما أن المسؤولين الإسرائيليين يعملون ليل نهار من أجل عرقلة أي تسوية دولية للصراع العربي الإسرائيلي وذلك من خلال توسيع الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية في القدس والضفة لفرض سياسة الأمر الواقع. وإذا كانت المرحلة الأولى من انفاق التهدئة قد شابها الكثير من الخروقات الإسرائيلية والتي تمثلت في جانب منها اغتيال عناصر من الجهاد الإسلامي وإطلاق النار على المزارعين فإن المرحلة الثانية من الاتفاق والتي تشمل فتح المعابر, تشكل خطوة هامة لسكان القطاع واختباراً للنوايا الإسرائيلية التي لا يمكن الوثوق بها نظراً لتاريخ إسرائيل الأسود المليء بنكص العهود والمواثيق, ولاسيما أن اتفاق التهدئة أو الهدنة ليس الأول وكان آخر اتفاق نفسته إسرائيل عام .2005 فالتهدئة والأمن والسلام مصطلحات تتعارض مع طبيعة إسرائيل العدوانية ولا تتلاءم مع ما تسعى إلى تحقيقه وتحاول التستر والتضليل من خلال الكذب والخداع على مخططاتها العدوانية للظهور بمظهر من يتوق إلى السلام في محاولة لذر الرماد في العيون أما عن الأسباب الكامنة وراء موافقتها على اتفاق التهدئة فيمكن إيجاد ذلك بسببين أولهما: صمود حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية حماس مع باقي فصائل المقاومة في قطاع غزة ولأكثر من عام حيث حاولت إسرائيل خنق القطاع ومنعت عنه المواد الغذائية والدوائية لخلق الفوضى بين السكان والانقلاب على حركات المقاومة لكنها لم تنجح في ذلك فالحصار لم يدفع الناس للثورة ضد السلطة في القطاع ولا هو أوقف صواريخ المقاومة وهذا يشير إلى فشل إسرائيل صاحبة الذراع العسكرية الباطشة والرادع النووي الوحيد في الشرق الأوسط من حسم صراعها مع المقاومة الفلسطينية بالقوة العسكرية وهذا يشير في نفس الوقت إلى انتصار نهج المقاومة وخاصة أن التهدئة تأتي في وقت لم تحقق فيه الجهود الدولية لإيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية أي تقدم وهذه أيضاً مناسبة لتذكير بعض العرب والفلسطينيين الذين أشبعوا المقاومة انتقاداً بسبب استخدامها صواريخ بدائية في الرد على عدوان إسرائيل المتواصل لأن المكسب الوحيد الذي قد خرجت به إسرائيل هو وقف إطلاق الصواريخ, ولاسيما بعد استبعاد موضوع الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط من الصفقة. أما السبب الآخر الذي دفع إسرائيل للإسراع بالموافقة على التهدئة والذي وصفته مجلة تايم الأميركية بالتحول الدراماتيكي في الموقف الإسرائيلي هو تراكم الإخفاقات التي منيت بها إسرائيل وفضائح الفساد واحتمالات انقسام الأحزاب الرئيسية على نفسها مثل حزب كاديما والعمل والليكود بالإضافة إلى مواضيع أخرى مثل التفرغ لشن عدوان على إيران. فإسرائيل أخفقت في كسر إرادة المقاومة في قطاع غزة ومن هنا كان القرار بإخلائه وتفكيك مستوطناته من جانب واحد عام ,2005 كما أن إسرائيل أخفقت في تحقيق أهداف عدوانها على لبنان عام 2006 ناهيك عن الأوضاع الداخلية التي تهدد مستقبل أركان حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت والتي يتمثل جانب منها بفضائح الفساد التي تلاحق أولمرت ورفض بعض الوزراء والنواب في حزب العمل من التصويت على حل الكنيست الأمر الذي هدد مستقبل وزير الحرب الإسرائيلي أيهود باراك كما هدد بانقسام حزب العمل على نفسه. هذه الأسباب مجتمعة دفعت بأركان حكومة أولمرت إلى الانخراط في التهدئة ليس مع الفلسطينيين فحسب وإنما مع حزب الله أيضاً حيث تمت الموافقة على صفقة تبادل الأسرى والتي تشمل الفلسطينيين أيضاً, وانخراط إسرائيل في التهدئة دفع بعض المسؤولين الإسرائيليين إلى الاعتراف بأن التوصل إلى اتفاق تهدئة هو هزيمة لإسرائيل حيث صرح حاييم رامون نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي: بأن وقف إطلاق النار هو إقرار من إسرائيل بفشلها وأنه يمثل انتصاراً للمقاومة, وكتب أحد المعلقين في صحيفة هاآرتس ويدعى يوئيل ماركوس: إن الاتفاق تحقق لأن ( الملاكين) قد تعبا إلى حد استناد كل منهما على الآخر في انتظار أن يفصل بينهما الحكم ومقراً في نفس الوقت بأن اجتياح غزة لن يجدي في حل مشكلة الصواريخ الفلسطينية بل يصبح الجنود الإسرائيليون هدفاً سهلاً للمقاومة. ما سبق يدفعنا للقول إن التجربة مع إسرائيل تستدعي من الفلسطينيين استمرار اليقظة والتأهب وعدم المراهنة على أية اتفاقات أو عهود معها والإسراع في توحيد الصف الفلسطيني لمواجهة عدو يبدل جلده باستمرار. |
|