|
أبجد هوز فكان أحدنا يسأل زميله عما يود أن يصبح عندما يكبر? وكانت الإجابات تتراوح بين دكتور أي طبيب, أو مهندس, أو محامي, وكان عدد هؤلاء أقل من القليل, ويشار إليهم بالبنان, غير أن مهناً أخرى كانت تثير شهية وأحلام الآخرين, فالبعض كان يأمل أن يصبح ممثلاً في السينما,فعماد حمدي وشكري سرحان وفريد الأطرش ويوسف وهبي ومحمد عبد الوهاب هم نجوم وأبطال, وقصص الحب والغرام التي يعيشونها في الأفلام تجعل القلب يزقزق مثل العصفور, وفريق ثالث من جيلنا كان يميل إلى الأدب فمنهم من كان مأخوذاً بأحمد شوقي وحافظ ابراهيم وعنترة بن شداد والمتنبي والحمداني من خلال النصوص الشعرية التي نحفظها غيباً من كتب القراءة ونسميها مادة الاستظهار, أما العاطفيون الذين قرؤوا العبرات والنظرات ومجدولين للمنفلوطي, ودمعة وابتسامة والأجنحة المتكسرة لجبران, ولقيطة لمحمد عبد الحليم عبد الله وكانت تسيل دموعهم مدرارة على خدودهم فيمسحونها بكم القميص أو ما يشبه الجاكيت, إذ لم يكونوا قد اخترعوا محارم الكلينكس أنذاك , فكان هؤلاء ينوون أخذ طريق الشعر أو الرواية, فهذه مهنة تحقق الشهرة وتشبع عواطف الآخرين, وفريق رابع كانت تأخذه المناصب, فيصرح بأنه سيصبح في المستقبل وزيراً أو رئيس وزراء أو نائباً في البرلمان أو ضابطاً في الجيش يحمل النجوم على كتفيه والأوسمة على صدره ويحرر فلسطين, وقلة قليلة منا كانت تبوح بأحلامها في رئاسة الجمهورية, وكان واحد من هؤلاء يسأل المقربين منه عن المنصب الذي يريد أن يعينه فيه عندما يكبر ويصل إلى مبتغاه. في ثمانينيات القرن الماضي, ومع تفاقم الأزمات لبعض السلع والمواد التي تهم احتياجات المواطن الحياتية, كانت الأمنيات كما أظن تتراوح بين فران أو صاحب فرن, بائع مازوت أو صاحب كازية, متعهد, مهرب, أو مدير مؤسسة استهلاكية. ترى بماذا يحلم أطفال هذا الجيل? لست واثقاً, ولكني اعتقد وأنا أراهم يملؤون الحارات وكل ثلاثة أو أربعة يشكلون فريقاً لكرة القدم, ويملؤون الملاعب ويتحلقون حول التلفزيون عند كل مباراة, ويحفظون أسماء الأندية والفرق ولاعبيها..ترى هل يحلم كل واحد من هؤلاء الأطفال أن يصبح في المستقبل نجم كرة القدم تتابعه الملايين على الشاشات الصغيرة والعملاقة وهو يسجل (الكول في مرمى الخصم), فتضج له هذه الملايين بالهتاف وتلتهب أكفهم له بالتصفيق . |
|