تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مهارة النقد والاختيار مع البث الإعلامي؟

مجتمع
الأحد 4-1-2015
لينا ديوب

يكثر الحديث عن أهمية الإعلامي للتربوي، ويطلب من الاعلامي دورا في التربية والمجتمع، فما هودور التربوي مع الإعلامي، وما أهمية ذلك للجيل؟

لو نظرنا في مجالات العمل التربوي والإعلامي لوجدناها متداخلة، وإن تميزت التربية بالبناء والتفاعل المباشر بين المعلمين، وبين الأجيال التي يعملون على تنشئتها. ومع ذلك التربية الإعلامية لها تأثيرها الكبير في صناعة التغيير المنشود في الرؤى والمفاهيم والتطبيقات التربوية. الا أن مؤسستنا التربوية لايزال اهتمامها محدوداً بتقديم خدمات التربية الإعلامية رغم الأهمية القصوى لها في تشكيل الذات أو إعادة تشكيلها. وكلنا يعلم مايميز العصر الحاضر بكثافة العناصر الثقافية وسرعة انتشارها وتداخلها وشدة تأثيرها إلى درجة لا يمكن معها مجاراتها ومتابعتها، إلا إنّ التربية الإعلامية يمكنها أن تساعد المربين على ضبط هذه التأثيرات وترشيدها وبلورتها في إطار يخدم الأهداف المنشودة.‏

ولو تابعنا القضايا التي يركز عليها المختصون والتي يجب أن تعنى بها التربية الإعلامية لوجدنا تثقيف الناشئة بطرق فهم الأمور وتقديرها، وطرق التعايش مع الآخرين، واستيعاب مقتضيات العصر الحديث، وآليات التفاعل مع العولمة، وتعبئة الشباب لمواجهة الأحداث الجارية الطارئة وغير الطارئة، وتمكينهم من المهارات التي تعينهم على المشاركة و المواجهة عوضاً عن الخوف والاستسلام أو الانعزال والرفض أو التبرير، أو إسقاط المشكلات على الغير، كما تعنى التربية الإعلامية بمساعدة الطلاب على فهم حقوقهم وواجباتهم، وتقدير قيم العمل والديمقراطية، وحب الوطن، والانتماء الصحيح، واحترام الآخر، والحرية العادلة، ومواجهة الشائعات والتضليل، ومحاربة الانحرافات الفكرية والمنحرفين وفق الطرق المناسبة لذلك.‏

ففي ورشات العمل السابقة بين منظمة اليونسكو ووزارتي الاعلام والتربية تم التركيز على جميع تلك النقاط، بالاضافة الى ماتوفره التربية الإعلامية من فرصة كبيرة لمعالجة المشكلات النفسية والثقافية والاجتماعية التي يعاني منها الناشئة كمشكلة الأمية الحضارية، والأمية التكنولوجية، والأمية السياسية، علاوة على التوترات التي تنشأ بفعل الاتصال مع الآخرين، وعدم الألفة، والتحيزية والاستغراق في المحلية وغيرها.‏

وتلعب التربية الإعلامية دوراً بارزاً في إكساب الناشئة الثقافة الاجتماعية النقية، وامتلاكهم مهارات النقد والتقويم والتحليل وحل المشكلات والربط بين الأشياء وبين المتغيرات، والمهارات التركيبية، ومهارات الحديث والقراءة والكتابة والمهارات الاجتماعية والثقافية التي تساعدهم على الاتصال الفعّال، وتمكنهم من استيعاب الخصوصيات الثقافية في علاقتها مع العموميات والمتغيرات الثقافية الأخرى.‏

أي أنه رغم التناقض في وسائل كل من التربية والاعلام والتباين في أهدافهما وغاياتهما ، إلا أنّه توجد مجالات من التجانس والتشابه بين المؤسستين التربوية والإعلامية. فكلاهما عملية اتصال، وكلاهما يسهم في التنشئة الاجتماعية للفرد الذي يقضي فترة طويلة من حياته مشاهداً لوسائل الإعلام أو متعلماً داخل صفوف المدرسة،‏

ولذا ينظر التربويون إلى أنّ الإعلام من مؤسسات التعليم والتربية؛ فإنّ بإمكانيته التأثير الإيجابي والفعّال أكثر من المؤسسات الأخرى، لأنّه يستطيع الوصول إلى كلِّ بيت وإلى كلِّ مدرسة وإدارة وإلى مؤسسات أخرى في أيّ وقت مما لا تستطيع المؤسسات الأخرى أن تفعل مثل ذلك.‏

وباعتباره يمتلك كلّ الوسائل التعليمية السمعية والبصرية فإنّه يؤثر في تكوين الاتجاهات وتعديل السلوكيات وتشجيع المجتمع كلّه على سبل الصلاح والفلاح وإلى سبيل النهوض والتفوق في الميادين العلمية وغيرها. وبتكلفة وجهد أقل من غيره.‏

ثمّ إنّ هناك مؤسسات تعليمية جديدة تقوم على الإعلام مباشرة مثل أنواع التعليم المفتوح، والجامعات المفتوحة، والمدرسة الثانوية المفتوحة، كما في بعض البلاد مثل اليابان وبريطانيا والدانمارك وغيرها.‏

كلنا يدرك أنّ نصيب الجيل الحالي من تأثيرات وسائل الإعلام الجماهيرية في تكوين ثقافته، وتحديد أنماط سلوكه، وإكسابه المفاهيم والقيم والعادات والاتجاهات، قد تزايد كثيراً في ظل تقدم تقنية الاتصالات والمعلومات، وازدحام الفضاء بالأقمار الصناعية التي تبث برامجها طوال الليل والنهار. ومع تدفق المعلومات عبر الشبكة، وهذا يتطلب تجاوز القطيعة القائمة بين التربويين والإعلاميين، والتعاون في توظيف وسائل الإعلام في خدمة أغراض تربوية محددة، وتوظيف التربية في تفعيل الرسائل الإعلامية، واقامة نقاش مستمر مع الطلبة حول المحتوى الذي يحصلون عليه، ولم يعد يكفي استخدام وسائل الإعلام وتقنية المعلومات في صلب العملية التربوية، واستخدام المعلم الوسائط المتعددة وشبكة المعلومات الدولية في إعداد الخبرات التعليمية وتوصيلها للطلاب، بل مناقشة ذلك كله والتنبيه إلى المواقع التعليمية ومجالاتها المهمة التي يمكن أن تعتمد عليها المؤسسة التعليمية.‏

أي أن مشكلة التربية مع الإعلام ليست في تأثير وسائله على الجيل، وانما بكيفية تعامل الجيل مع ما تبثه وسائل الإعلام. وهنا يأتي دور التربية الإعلامية في إكساب الأبناء القدرة على الاختيار والنقد، وإكسابهم مهارة الفرز والانتقاء والذي لاينمي فقط حس النقد عندهم وانما يؤدي إلى نموهم في جميع جوانب شخصياتهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية