تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أدب دعاة الاستعمار البريطاني

عن الفيغارو
ثقافة
الثلاثاء 24-9-2013
ترجمة: مها محفوض محمد

بعد كيبلنك وستيفن سون وكرين يأتي دور كونراد الذي تعاد طباعة أعماله الزاخرة بنزعة استعمارية تسترجع أمجاد الهيمنة البريطانية خلال أربعة قرون ونيف.

فمنذ مطلع العقدين الماضيين تتالت السير الذاتية والدراسات الانغلوساكسونية المخصصة لهذا الرباعي البريطاني وأبرزهم جوزيف كونراد لتنتقل عدوى تلك الاصدارات إلى جارتها الفرنسية مع انصراف عدد من الأدباء والباحثين أمثال أوديت لامول وجان باشلور وسيلفر مونو لدراسة مؤلفات الروائي البريطاني الأكثر شهرة على صعيد تأثير أعماله على أجيال الأدباء الغربيين اليوم، وقد احتفلت آداب الكومون ويلس مؤخراً بمرور 155 عاماً على ولادة كونراد حيث خصصت لهذا المناسبة دراسة مقارنة بينه وبين كيبلنك تدعو لعودة الأدباء إلى أيام الاستعمار الغربي وتوسعاته حيث كانت لاتزال تجارة الأسلحة البريطانية رائجة وأعمال الجاسوسية لعملاء صاحبة الجلالة مزدهرة في مستعمراتها الشرق أوسطية وفيما وراء البحار.‏

ورغم محاولات كونراد إخفاء محطات من تجربته البحرية وحديث نقاد أدبه عن ثقوب سوداء خلفها هذا الروائي على أكثر من صعيد إلا أن حفنة منهم كشفت ممارساته الجاسوسية وعمالته للبحرية البريطانية في جنوب شرق آسيا كما في روايته الحدث «العميل السري» عام 1907 وفيها يروي قصة البطل ادولف فيرلوك الجاسوس الانكليزي الموظف في إحدى سفارات لندن إذ يطلب السفير البريطاني من أدولف إثارة أعمال شغب وعنف في شوارع إحدى المدن الآسيوية ويهدده بالفصل إن لم ينجح في مهمته ويشترط عليه أن تترافق أعمال العنف المطلوبة بتظاهرات شعبية تدفع الشرطة المحلية للتدخل وضرب المتظاهرين ولايدري هؤلاء المحتجون لماذا نزلوا إلى الشوارع، لكنها «بروباغندا» بريطانية مبرمجة تنساق وراء مخططات أدولف وسفيره الجاسوس الأول في هذا السلك الدبلوماسي وسرعان ماتستوطن الكراهية والأحقاد في الشارع المذكور خاصة عندما يقوم أحد المتظاهرين بتزويد فيرلوك بالمتفجرات مع دخول منافسين للعملاء من جنسيات أجنبية إلى حلبة الصراع فيقرر أدولف زج شقيق زوجته في عملية انتحارية لتفجير معهد غرينتش البريطاني هناك واتهام جهات وطنية محلية بتنفيذ العملية، وعندما يصل خبر مقتل شقيقها إلى مسامع زوجة أدولف تكاد تجن فتقتل زوجها بالسكين وتهرب لتختبىء عند صديق فيرلو الذي يخشى من تلك المرأة أن تقتله فيوصلها إلى محطة قطار ويسرق مدخراتها ويتركها على قارعة رصيف القطارات وبعد ركوبها باخرة في بحر المانش تقفز إلى المياه وتبتلعها الأمواج.‏

كذلك هي جميع أعمال كونراد الأخرى مليئة.. بجرائم الاستخبارات البريطانية وهي الأقدم في عالم الجاسوسية الغربية.‏

وجوزيف كونراد روائي بريطاني ولد في بولونيا عام 1857 وتوفي عام 1924 كان والده كاتباً درامياً ومترجماً ماجعل الطفل يهتم منذ نعومة أظفاره بالجغرافيا قبل أن يصبح بحاراً عام 1874 كذلك حصل على إجازة كابتن في البحرية التجارية الانكليزية وكتب في تلك المرحلة رواية «قصة البحار الأسود» وأولى رواياته كانت «الجنون».‏

تبوأ مكانة الصدارة على صعيد رواية المغامرات والرحلات البحرية الانغلوساكسونية وتدعو رواياته دون استثناء إلى التوسع الاستعماري كما في« الزنجي النرجسي» و«اللورد جيم» و«طفيلي في الجزر» و«نوسترومو» و«العميل السري» التي انتقلت إلى المسرح ثم جاءت «خط الظلال» و«السهم الذهبي» ومجموعات أخرى من القصص والروايات صدرت مؤخراً باللغة الفرنسية ضمن 23 مجلداً وكان كونراد قد لعب خلال الحرب العالمية الأولى دوراً مفصلياً في البحرية البريطانية عندما أوكلت إليه القيادة العسكرية في لندن مهمة مراقبة سواحل مستعمراتها وراء البحار ونجح في تنفيذ المهام الموكلة إليه من تجسس وملاحقة السفن المعادية لبريطانيا ويكاد حنين كونراد يذهب بشكل أساسي إلى فتوحات أساطيل اليزابيت الأولى( 1558-1603) وهيمنة البريطانيين على طرق الحرير واحتلالهم للهند وأميركا الشمالية منذ العام 1763، وقد استوحى كونراد أبطال رواياته من شخصيات عرفها عن كثب كنظيره هنري جيمس مع أن للطبيعة دوراً رئيسياً في أعماله ويبدو تأثره بكل من شكسبير وكيبلنغ رايدرد غير أن مكانة الصدارة في أعماله هي للعبث والخيانة واللامعقول فهذا الثالوث يشكل نبض رواياته كما هو محور اهتمام الجاسوسية البريطانية..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية