|
شؤون سياسية إن الأمم المتحدة عندما تأسست كانت جاذبيتها الأساسية لشعوب العالم ناتجة من كونها تحمل وعداً انسانياً بزوال عصر الحروب ،فالسلام شعار الولايات المتحدة كما هو شعار منافسها التقليدي طيلة فترة الحرب الباردة الاتحاد السوفيتي السابق،واعتبرت كل من واشنطن وموسكو نفسها مرجعية للسلام ،لكن لم تمض فترة قصيرة حتى نشبت هنا وهناك حروب في مختلف قارات العالم واعتبرت الأمم المتحدة أنها حروب أو نزاعات صغيرة لا يهدد حدوثها الاستقرار العالمي ،واعتبر البعض فيما بعد ذلك بمثابة تنصل من الأمم المتحدة تجاه مسؤولياتهاحين نظرت إلى تلك النزاعات والحروب على أنها ظواهر مؤقتة وانفجارات غير خطرة خارج حدودها. وعلى الرغم من مرور أكثر من ثمانية وستين عاماً على ولادة الامم المتحدة والمسافة التي قطعتها الامم المتعاقدة في سيرها على الطريق الطويل ،لاتزال هذه الأهداف الكبرى قيماً علياً يتطلع إليها المجتمع الدولي دون أن يبلغها أو يحقق أدنى اقتراب منها. ولهذا العجز المزري أسباب يخطها تضارب المصالح واختلاف النيات رغم الاتفاق الظاهري على النموذج المعلن بوضعه المتفق عليه والمعتد به كشكل أمثل لمضمون وفاقي منشود يفترض أن تتمثله العلاقات الدولية وتمتثل إليه في نزاعاتها. ومن يتأمل مقدمة الميثاق الأممي يجد جلياً أن «الإنسانية» مجتمعات متنوعة، إذ تبدأ بعبارة (نحن شعوب الأمم المتحدة يجمعها غرض مشترك في ضروب مختلفة من النشاط وتفترض التعاون للتقريب بين وجهات النظر المتباعدة ،بغية تحمل أعباء مشروعات إنسانية جمعية لا تبلغها الدول منفردة أو المجتمعات المتفرقة ،ومع توافر المزيد من المشاركين لابد للتعاون من صفات معينة يجسدها واقع الممارسة فعلاً لا قولاً كروح التسامح والتفاهم واحترام الآخر واعطاء الفرصة لـ«تقدمه» والاهتمام بمطلب المجتمع الدولي الشامل عبر التفاعل بين أعضائه ليكون منهم حلقة في سلسلة التعاضد المأمولة). ولكن أين الميثاق والأمم المتحدة في واقع الممارسة من كل ذلك؟... فعوضاً عن اعتناق حدود النظام الجائز والمتفق عليها ، وعوضاً عن الإقلاع عن حرية التفرد والهيمنة ، نجد البحث عن التجاوز لتلبية المصالح ، ونجد نزعة التفرد تركب حصان القوة الجموحة وهي وراء تعاون يتسم بالخنوع لتحقيق أغراضها. أن من يمعن النظر في تركيبة الامم المتحدة يجد أن الأعضاء ينضوون تحت لواء العلاقات الدولية بوصفهم عدواً أو صديقاً أو حليفاً لعدو أو صديق ،ولايبدو أن هذه العلاقة الدولية النزاعية آيلة إلى التلاشي في المدى المنظور .لماذا؟! لأن النظام وميثاقه ومبادئه وبنوده تنتهك على نحو صارخ في ظل غياب العدالة والمساواة، ولأن التضامن الإنساني كما عبرت عنه مقدمة الميثاق تخترق كمبدأ ، فلا الاحترام متبادل ولا التعاون متوفر ، والمساواة بين الدول المنضوية تحت لواء المنظمة الدولية باتت في مهب ريح التنكر لحق تقرير المصير وغيره من حقوق وتغلبت مصالح الأقوياء وتفسيراتهم وضغوطهم ،وصار ثقل القوي راجحاً يرخي بوزنه على الساحة الدولية ، وهناك من يضغط على الأمم المتحدة ذاتها لتنم في قرارات مجلس الأمن الدولي خاصة عن رغبة القوة المهيمنة وارادتها واملاءاتها. لقد وصل الكيل بمكيالين في التعامل مع الأزمات والنزاعات الناجمة عن العدوان إلى درجة قيام القوى بالحيلولة دون اتخاذ قرار بإدانة المعتدي وتأمين الحماية له داخل مجلس الأمن ،وكثيرة هي المناسبات التي انتهكت فيها مبادى الأمم المتحدة عن طريق حق النقض «الفيتو» لمنع اتخاذ قرارات بإدانة المعتدي في الصراع العربي - الإسرائيلي ولم تنفذ حماية له من أي عقوبات أو اجراءات يمليها الميثاق ، وفي الوقت ذاته تقاتل القوة الأعظم لاستصدار ترخيص من مجلس الأمن على الرغم من اعتراضات الأعضاء حتى الدائمين منهم لاستخدام القوة تلقائياً وتفجير حرب لا أحد يمكنه أن يعرف إلى أي مدى ستذهب نتائجها الكارثية ، وعليه ،فقد جاء الاعتراض المزدوج الروسي- الصيني على مشروع قرار ضد سورية على خلفية الأحداث الجارية في اطار منع مزيد من التمدد الأميركي ،وفي اطار اعلان تمهيدي بأن الوقت قد اقترب لبزوغ قوة جديدة وأنه آن الأوان لاقتسام صدارة العالم التي كانت دوماً حكراً على الولايات المتحدة خاصة وغرب تابع لسياساتها عامة . اليوم والامم المتحدة تحتفل بيوم تأسيسها ، تبدو بحاجة أكثر من أي وقت مضى لرد الشكوك التي حامت حول ازدواجية التعامل مع النزاعات والأزمات والصراعات ، ولن يتم ذلك إلا بالعودة إلى روح الميثاق ونصه وبنوده وتطبيق مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول لضمان استقرار السلام والأمن الدوليين ،وذلك للحيلولة دون استغلال سيطرة الكبار على الأمم المتحدة (على النقيض من مبدأ المساواة في السيادة) لفرض التوجهات ، وبالتالي تغييب التطبيق العادل للقرارات الدولية ،والصحيح حقاً وانسجاماً مع روح الميثاق الدولي ،إخضاع الاستراتيجية الخاصة للأمم المتحدة على نحو يخدم الأهداف الإنسانية العليا ويحقق العدالة. بطبيعة الحال لا أحد ينكر ما قامت به المنظمة الدولية على صعيد نجدة البشر إبان المجاعات والكوارث والحروب الأهلية على مستوى القارات المأزومة، ولا أحد ينكر دور القبعات الزرق في أكثر من مكان متفجر ، وها هي الهيئات المتخصصة المنعزلة عن الأمم المتحدة تحاول جاهدة بذل ما في وسعها لجعل عالم اليوم أفضل على نحو ما ،بخاصة وأن الأمل الواسع بحياة انسانية أكثر عدلاً ومساواة معلق على فاعليتها علّ الستار يسدل في يوم ما على المآسي والفظائع التي لا تزال تشكل هوة تباعد بين الواقع والأمل بعالم أفضل. |
|