|
شؤون سياسية كي يتمكن من يتحكمون ببوصلة ذاك الإعلام من الانتقال بيسر من ضفة إلى أخرى وفق مقتضيات الواقع الذي يفرض وجوده ونتائجه على الرغم من حرص كبريات الإمبراطوريات الإعلامية على طمس كل الحقائق التي لا تتناسب مع طروحات أطراف التآمر والعدوان الممنهج ضد الدولة السورية منذ أكثر من عامين ونصف العام، وفي ضوء هذه السياسة الملغومة يسوَّقون مصطلحاتهم المسمومة فيضيفون إلى كلمة المعارضة صفة المسلحة متجاهلين أنهما مصطلحان مختلفان ومتناقضان، فكل معارضة تحمل السلاح تتحول تلقائياً إلى تمرد مسلح يجب قمعه إن كانت تحمل جنسية البلد الذي تحمل فيه السلاح ضد الدولة، وإن كانت من جنسيات أجنبية تصبح شكلاً من أشكال التدخل العسكري الخارجي، أي عدوان موصوف بكل ما تعنيه الكلمة، والقانون الدولي يمنح الدولة التي تواجه مثل هذا العدوان حق الدفاع عن نفسها وأمنها وأمن مواطنيها بكل السبل الممكنة، أما إن كان حمل السلاح من قبل مجموعات خارجية تتصف بالإرهاب والتطرف فيصبح من حق الدولة على المجتمع الدولي تقديم الدعم والمساندة والتأييد لأنها تكون تحارب الإرهاب العالمي العابر للقارات نيابة عن العالم أجمع ، وهذا ما تقوم به الدولة السورية منذ منتصف آذار 2011م. قد يفلح من يملك المال والسلاح والإعلام والنفوذ الدبلوماسي في إخفاء الحقيقة لوقت من الزمن، لكن عشاق الحقيقة المغيبة يستطيعون تظهيرها لينقلب السحر على الساحر، ولن ينفع أولئك سياسة التلاعب بالألفاظ ولا اعتماد مصطلحات متعددة لخلط الأوراق وتعميم رؤية ضبابية تمكّن المأزوم والعاجز من الانسحاب تحت ما تشكله القنابل الدخانية من سحب كثيفة تحجب الرؤية وتضمن الاستدارة وإعادة التموضع وكأن شيئاَ لم يكن، وهنا يبرز دور النخب الثقافية والإعلامية في بلورة الحقائق وتسليط الأضواء لتبديد الستائر الدخانية المفتعلة، فالفرق كبير بين التهور والإقدام، وبين الدبلوماسية والإذعان، والبون شاسع بين تحمل المسؤولية بكل ثقة وإصرار وبخاصة في المنعطفات الحاسمة من تاريخ الدول والشعوب وبين حب السلطة ودفع الأخطار العاجلة بالأخطار الآجلة، وكذلك بين العناد والمكابرة من جهة والتمسك بالثوابت ورفض التفريط بعوامل قوة الدولة من جهة أخرى، وهذا ما أتقنته الدولة الوطنية السورية بكل كفاءة ومهنية فرضت تغيير قواعد اللعب على المستويين الإقليمي والدولي، حيث أثبتت بالفعل والممارسة قدرة فائقة على التمييز بين الحدود والمصطلحات، وقدمت أنموذجاً من الصمود وإرادة المواجهة التي لا تلين، وكل ما شهده الداخل السوري والبيئة الإقليمية على امتداد عامين ونصف العام إنما هو في أحد تجلياته محاولة انتقام من الدولة السورية شعباً وجيشاً وقيادة لأنها قوّضت روافع الهيمنة والعربدة الأمريكية التي امتدت عبر عقود وكادت أن تصبح جزءاً من الخلفية الذهنية للرأي العام العالمي، وتكرس حالة من الهزيمة الافتراضية المسبقة التي اعتمدت عليها واشنطن ومن يدور في فلكها لضمان استئثارها بالقرار الدولي، وفجأة يتداعى كل ذلك أمام الإرادة الفولاذية للسوريين، فيثور الأمريكي، ويصاب الأوروبي الغربي بالذهول، ويتخبط العثمانيون الجدد وهم يتقاسمون نسب الخيبة والإخفاق مع مشيخات البترو دولار وبقية الأدوات المستعربة التي رسمت أحلاماً وأوهاماً فإذا بها تتحول إلى كوابيس ورعب من غضب السيد الأمريكي والصهيوني الذي عود عملاءه على التخلي عنهم ورميهم على قارعة الطريق بعد انتهاء أدوارهم الوظيفية، وهاهو المصير الأسوأ ينتظر أولئك ليس فقط بسبب انتهاء الأدوار الموكلة إليهم، بل بسبب فشلهم في تنفيذ المهام المسندة التي ادَّعوا أنهم قادرون على تنفيذها. إن جميع الدلائل ومعطيات التحليل السياسي والعسكري والاستراتيجي تؤكد إخفاق الحرب المفتوحة ضد سورية في تحقيق أهدافها السياسية بعد مرور عام على الرمي التمهيدي الذي بدأ في آذار 2011م.، ومنذ أكثر من عام ونصف العام وإدارة أوباما تسعى بالتنسيق مع حكام تل أبيب ومن يدور في فلكهم المأفون الاحتكام لأشواط إضافية لتجريب بقية الأدوات التنفيذية تحت مسميات مختلفة، وفي كل شوط تُطْلَقُ صفارة الميدان معلنة الفوز السوري بركلات الترجيح حيناً وبأهداف متتالية في اللحظات الأخيرة حيناً آخر، وهذا ما هدد باهتزازات ارتدادية تدرك واشنطن أنها كارثية على النفوذ والدور المطلوب من الإدارة الأمريكية أداؤه إقليمياً ودولياً ما أرغم إدارة أوباما على خلع جميع الأقنعة دفعة واحدة والنزول بشكل شخصي إلى ساحة المواجهة وحرق المراحل التي تم التخطيط لها والإسراع بإعلان الهدف الأساسي من الحرب المفتوحة على سورية عبر التهديد بالعدوان العسكري المباشر، أي إن العدوان الأمريكي ليس نتيجة المواجهة التي تخوضها سورية ضد الأدوات الصهيونية الأمريكية على اختلاف مسمياتها، ولا هو بسبب التداعيات التي أفرزتها ساحات الميدان المشتعل التي لم تنطفئ منذ عامين ونصف العام، هو منطلق وهدف مركزي منذ أن تم استهداف سورية، لا بل منذ أن تم تسويق مصطلح الربيع العربي الذي لم يكن إلا صقيعاً وتصحراً وزمهريراً يستهدف حاضر الأمة ومستقبلها، وتأجيل البدء بتنفيذ العدوان لا يعني إلغاءه بل كسب الوقت اللازم والاحتكام إلى أشواط إضافية جديدة تكون الكلمة فيها للأصيل وليس للوكلاء ولا للأدوات، وهذا ما حتَّم دخول الروسي أيضاً وبشكل مباشر بعد أن تبين أن أصحاب الرؤوس الحامية ممن يمثلون المجمع الصناعي العسكري الأمريكي يريدون ترميم هيبة ردع السلاح الأمريكي التي تآكلت جراء انتصار المقاومة اللبنانية في تموز وآب 2006م، والكباش اليوم لم يعد محصوراً بالجغرافيا السورية، وهذا ما يؤرق واشنطن وحلفاءها، وبخاصة بعد أن تبين أن الرأي العام الأمريكي والأوروبي يرفض العدوان العسكري على سورية، ولا يستبعد أن يكون السماح لوسائل الإعلام العالمية المشهورة بتداول حقيقة الإرهاب العالمي العامل في سورية مقدمة مطلوبة لتحضير البيئة الاستراتيجية اللازمة للبدء بأشواط جديدة قد تتخذ الشكل التقليدي، وقد تفرض أشكالاً مستحدثة في ميادين المواجهة المفتوحة، مع أن جميع المعطيات تؤكد أن نتيجة أي مواجهة محتملة قد أصبحت محسومة، فهي ـ بالمطلق ـ لن تكون لمصلحة واشنطن وحلفائها، وخيار «شمشوم» لم يعد ممكناً في ظل القدرات التدميرية لما أفرزته تقانة التصنيع الحربي، وواشنطن وتل أبيب تدركان ذلك جيداً، أما الأجراء والأزلام فعليهم انتظار انتقام سيدهم وشعوبهم منهم، وما تبقى من جسد إرهابي تم تجميعه من كل أصقاع الكون وزجه في الداخل السوري فرجال الجيش العربي السوري تكفلوا بالقضاء عليه، ولعلها فرصة نادرة وقد تكون ثمينة وغير قابلة للتكرار لدى إدارة أوباما للحفاظ على ما تبقى من هيبة، فهل تحسن واشنطن استثمار ذلك وضمان الانسحاب المشرف من تصعيد مفتعل يهدد مصالح الجميع واستبداله بتعاون مدروس يضمن القضاء على أكبر عدد ممكن من أصحاب الفكر التكفيري الذي يهدد الأمن والاستقرار الدوليين؟ |
|