تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بشارع الحمراء..

الثلاثاء 24-9-2013
سعد القاسم

لو أن كفاح الخوص افترض مكاناً لعرضه المسرحي (في بار بشارع الحمرا) غير بيروت، لما تغير شيئاً مهماً في العمل، ولكنه في الوقت ذاته لما نقص من قيمة العمل شيئاً..

المسرحية التي بدأت عروضها على مسرح القباني في الرابع من الشهر الحالي بعرض خاص للإعلاميين، اختتمتها مساء الأحد الماضي، محتفظة بحرارة الأداء، وكثافة الحضور، الشاب خاصة، الذي بدا متعطشاً لحضور نشاط ثقافي إبداعي يصنعه أبناء جيله، فكان بالتالي منسجماً بشكل لافت للانتباه مع العرض، حيث بالمقابل يعرف صناعه، وفي مقدمهم المؤلف – المخرج، الطريق إلى التواصل مع هذا الجمهور بفضل خبرة ثرية تكونت على مدى عقد لا أكثر، لكنه كان حافلاً بالعناوين الراسخة في الذاكرة، بدءاً من (حكاية علاء الدين) مروراً ب (دون كيشوت) و(حكاية بلاد ما فيها موت)، وصولاً إلى (بار الحمرا..)..وهو الأمر الذي يستوجب الوقوف بتقدير عند تجربة كفاح الخوص المسرحية (ممثلاً وكاتباً ومخرجاً) دون الانتقاص من تجربته في الدراما التلفزيونية، حيث لا يحول حجم الدور من أهميته، بدءاً من ظهوره التلفزيوني الأول عام 2000 بدور مرة بن همام في مسلسل (الزير سالم)، ثم بدور شهاب الدين محمود في مسلسل (صلاح الدين الأيوبي)..وصولاً إلى دوره في مسلسل (سنعود بعد قليل)..‏

مشهد مسرحي واحد تجري عليه أحداث العرض، بار تقليدي في شارع الحمراء ببيروت، اختار مصمم الديكور حسن الشيخ صالح أن يكون واقعياً إلى حد كبير، ولو أنه وضع مدفأة حطبية قديمة في أحد أركانه، ولأن مدخل الصالة وممرها الرئيسي قد استخدما كجزء من الديكور، فقد أعطى هذا إحساساً أن البار في مكان أخفض من الشارع، لكنه في الوقت ذاته أعطى (حميمية) للمكان رسخها طغيان اللون الأحمر، ووفرة الأشياء على الخشبة.. أما الزمان فهو الليلة السابقة لسهرة رأس سنتنا الحالية حيث عامل البار (أسامة تيناوي) يقوم بالتحضير لهذه السهرة، مستغرقاً مع تركيب شجرة الاحتفال، ومتنقلاً بين (البوالين) الكثيرة التي تملأ الأرض.. من الحوارات والأحداث التالية نكتشف الحالة السورية للمكان، فمالكا البار (علي صطوف ويزن الخليل) سوريان جاءا لاستثمار أموالهما في بيروت، وحبيبة أحدهما التي لحقت به (جفرا يونس) سورية أيضاً، وعامل البار جاء بدوره من قرية سورية، وحتى ممثل الشوارع (أيمن عبد النور) هو سوري كذلك، والوحيدة التي لم تظهر هويتها بوضوح هي زبونة البار (حلا رجب) التي افتتحت العرض بحديث مقتضب مع عامل البار، ثم بمونولوج طويل، لتغادر بعده الخشبة، والعرض دون أن يغيب أثر أدائها المتمكن..‏

لم يكن مونولوج(حلا) الوحيد في العرض، بل إن العرض يبدو مبنياً على مجموعة من المونولوجات الشخصية كتلك التي ألفناها في المسرح التونسي، ولا يناقض هذا بعض الحوارات بين أبطال العمل التي كشفت عن جانب آخر من كفاءتهم، وقدمت إشكالية العلاقة بين الشخصيات التي تقمصوها، حيث يقع أحد الشريكين (علي صطوف) في حب (جفرا يونس) حبيبة صديقه، ويبوح لها بما في نفسه في الساعة التي تأتي فيها إلى البار غاضبة لأن حبيبها قد ضربها تحت تأثير الكحول.. لتبدأ عدة حالات من المكاشفة والبوح الداخلي، فالصدام، تستمر حتى ينتهي العرض بزلة قدم تفسد مفاجأة سهرة رأس السنة..‏

ليس في العرض ما يفترض أن يكون أبطاله من السوريين المقيمين في لبنان غير الرغبة في ألا يكون بعيداً عن الحدث السوري، ولو ببضع إشارات تحمل الحنين إلى قاسيون وحارات دمشق وباقي المدن، ومع بساطة الفكرة فإن العرض جاء شيقاً بفعل كفاءة الإخراج، وبراعة الممثلين وقد كان حضورهم آسراً،ورشاقة الحوار والحدث.. وهو بمجمله يجدد التفاؤل بمستقبل المسرح السوري، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن الممثلين جميعاً من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، وكذلك الكاتب – المخرج، والدراماتورغ (المهند حيدر)، في حين يتابع مساعد المخرج (مضر رمضان) ومصممة الأزياء (ريم الماغوط) دراستهما فيه، وبدورهما فإن مؤلفي موسيقا العرض (آري جان سرحان وخالد رزق) قد درسا في المعهد العالي للموسيقا..‏

وكل هذا لا يقلل بطبيعة الحال من أهمية عمل المخضرمين: بسام سفر وزهير العربي وهناء برماوي وفؤاد عضيمي في الإضاءة والتصميم الإعلاني والمكياج والصوت..‏

WWW.facebook.com/saad.alkassem‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية