|
الافتتــاحية قد تكفي من الناحية المنطقية لتسليط الأضواء على المخاطر القائمة التي يتصدر الإرهاب العالمي قائمتها الحالية، ويتحول إلى التحدي الأخطر في سياق التهديد الذي ينطوي عليه. لكن في الوقت ذاته فإن الانتباه العالمي لا يعني أنه سيتحول قريباً باتجاه الظاهرة وما تشكله، بقدر ما سيكون موضع خلاف إضافي بين القوى المتورطة في دعم الإرهاب على خلفية توظيفه القائم أفقياً وعمودياً، وما سيولده من نقاط مجابهة جديدة بحكم الخلفيات التي تحكم الموقف منه، وتقاطع المصالح المتوافقة مع أحزمة الإرهاب المتفشية في أكثر من اتجاه. فالحديث عن العلاقة بين الإرهاب والمصالح الغربية لا يزال أكثر المواضيع المسكوت عنها، وربما عليها، وسط تكتم سياسي وإعلامي مريب، فيما لا يغيب عن الذهن المعطيات الموثقة عن تشابك أصابع الاستخبارات الغربية في توطين ذلك الإرهاب وإدارته بالتفاهم وأحيانا بالقبول المعلن. غير أن هذا التواطؤ يلقى رفضاً، يتسع في الأوساط الغربية وتحديداً تلك التي تجد فيه أمراً غير مفهوم في كثير من الأحيان، وقد يصل في بعض مراحله إلى توجيه الاتهام المباشر إلى الشركات والاحتكارات، التي تقاطعت مصالحها وأهدافها مع أجندة الإرهاب الذي تحول إلى إحدى أذرعها الضاربة. الأخطر كان قبول صانع القرار الغربي بأن يكون الإرهاب جزءاً من ذلك المتحول، وإقامة سلسلة من العلاقات المبنية على فرضية الاستخدام المؤقت الذي كان يمتد لعقود طويلة، وحين تنتهي صلاحية الاستخدام كان يصل إلى حدود المجابهة الممتدة بشكل حروب وصراعات طويلة الأمد دعمتها ولا تزال مصالح الاحتكارات الغربية وبتغطية مباشرة من صانع القرار الغربي. الدخول الأميركي على خط العلاقة ليس وليد ما تشهده المنطقة، ولا يؤشر إلى أنه سيكون النهاية لهذه العلاقة المركبة في اتجاهات مختلفة، فمنذ أن أعاقت الولايات المتحدة الأميركية القرار الدولي بوضع تعريف محدد للإرهاب كانت العلاقة الملتبسة بين المصالح الأميركية والإرهاب تزداد وضوحاً وشرحاً، كحاصل لتقاطعات ارتسمت في أكثر من موقع رغم الاستخدام الأميركي لشعار مكافحة الإرهاب وإلصاقه بكل المواقف التي تتعارض مع سياساتها. المتغير الفعلي في تلك العلاقة يتكثف اليوم في مشهد الارتباط المصيري بين الإرهاب والكثير من الأدوات الأميركية في المنطقة، وربما التحالفات التي شرعنتها السياسة الأميركية على تخوم المنطقة بداية ومن ثم امتداداتها باتجاه الدول التابعة لها، وبرزت في المنحى التكاملي بين أدوات الإرهاب ومصادر التمويل، التي باتت ترسم اليوم أكثر المشاهد الفاضحة على تلك العلاقة المتورمة بحيث أصبحت السياسة الأميركية رهينة اعتباراتها الخاصة والعامة ومحكومة بما تمليه من تنازع في الصلاحيات. فالتجربة الأميركية مع تنظيم القاعدة وفصائل قوى وأطراف الإرهاب الهجينة المنبثقة من جذرها، تدفع إلى الجزم بأن حدود التقاطع المحكومة بزمن الصلاحية المحدد تاريخياً يصل إلى مشارف القطيعة المرحلية لاعتبارات تتعلق بحجم التداعيات التي خلقتها مشاهد ظهورها العلني على مسرح الأحداث في سورية، وخارطة الدعم الإرهابي تستوطن تفاصيل السياسات الكلية لتلك الأدوات تمويلاً واحتضاناً من السعودية إلى تركيا مروراً بقطر ودول التعاطف مع الإرهابيين المسجلة على إحداثيات تلك الخارطة. من هنا، فإن التحذير الروسي لا يمكن أخذه في سياق التداعيات الناتجة عن المجابهة السياسية المحتدمة، بقدر ما هو ترجمة لهواجس سياسية من الإرهاب العابر يتساوى فيها الغرب مع الشرق، وتتعادل كفة المصالح مع المخاطر القائمة في لحظة تُعبّر عن سلوك تاريخي تقتضيه التشاركية المعلنة في قيادة المشهد العالمي، وإن حاولت القوة الأميركية المنكفئة أن تؤخر منه لبعض الوقت. فالعثرات القائمة تشي بارتطام أميركي واضح وصريح بتحالفات إقليمية وأدوار تابعة تتعثر في خطوات انسحاب الأميركي، وربما تجاهر اليوم كما يفعل غول في صوت استغاثتها، حيث مؤخرة الانكفاء الأميركي وأحزمته التي تطوق دبلوماسيته ترتطم اليوم برؤوس أدواته الداعمة للإرهاب، المقيم منه والعابر، وهي تجد أن الصراخ التركي والتهويل عبر الإرهاب ليس سوى مقدمة لما هو آتٍ من تداعيات على حكومة أردوغان وشريكاتها الخليجيات، وهي التي أوغلت في دعمه وفي تورمه، فيما يبقى الرهان محدوداً على أصوات الداخل الغربي رغم انتقال الحديث من الهمس المسكوت عليه إلى نبرة اتهامية صريحة وواضحة. |
|