تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الغطرسة الأميركية وصلابة المطرقة العراقية

شؤون سياسية
الاحد 14/1/2007
د. فيصل سعد

يذكر الباحث الأميركي المعروف بول كيندي في كتابه حول( صعود وسقوط القوى العظمى) أن البلدان التي

تبلغ درجة قصوى من القوة والجبروت سرعان ما تبدأ بالانهيار على خلفية أو نتيجة الفارق الكبير بين أهدافها الكونية الكبرى والقدرة المحدودة على تأمين وسائل وأدوات تحقيقها.‏

وهذا هو, بالضبط ودائماً حسب كيندي, حال الولايات المتحدة الأميركية اليوم, وأكثر من أي وقت مضى.‏

فالولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم, ما انفكت تطرح على نفسها أجندة أ و غايات كونية بذرائع مختلفة تخفي وراءها مصالح إمبريالية جشعة وأنانية. فها هو الرئيس الأميركي روزفلت يعلن غداة الحرب العالمية الثانية( قدرنا أمركة العالم), و أما علاقة أميركا بالعالم, فيجب تبعاً لمستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق بريجينسكي أن( تعكس القيم والاهتمامات الأميركية المحلية) ويكشف الرئيس بوش عن هذه الغطرسة الأميركية بقوله:( من ليس معنا أو خلفنا, فهو ضدنا).‏

وقد كانت, ولاتزال, الحرب هي الأداة الرئيسية التي اعتمدتها الولايات المتحدة في محاولاتها الحثيثة لفرض هيمنتها, تباعاًَ على مناطق وبلدان العالم بأسره انطلاقاً من أطرافه أو تخومه المحيطية. وهذه هي الحقيقة التاريخية التي يعبر عنها الباحث الأميركي هاري ماجدوف بقوله (إن نسبة سنوات الحرب إلى سنوات السلم التي انشغلت بها الولايات المتحدة خلال الستين سنة الماضية هي بمقدار ثلاث إلى واحد لصالح الحرب طبعاً!!.‏

وفي سياق هذا السعي المحموم من جانب أميركا للهيمنة على العالم بوسيلة الحرب, أساساً تأتي الحرب الأميركية القائمة اليوم ومنذ آذار2003 على العراق. والمثير للدهشة في هذا المجال هو أن هزيمة الولايات المتحدة وانكسارها المذل في فيتنام وصولاً إلى الصومال لم يولد لديها القناعة بعقلانية( الهروب) إلى الوراء بمعنى الانكفاء إلى داخل حدودها القومية وإنّما كان يدفعها على الدوام إلى سياسة ( الهروب نحو الأمام) مرتكبة بذلك المزيد من ويلات الحروب ودمارها بحق الشعوب الآمنة داخل حدود أوطانها ذات السيادة والاستقلال.‏

اليوم وبعد مضي نحو أربعة أعوام على الاحتلال الأميركي للعراق, تتبلور إرهاصات الهزيمة الأميركية في العراق على غرار الهزيمة السابقة للولايات المتحدة في فيتنام, وربما بصورة أكثر إذلالاً ودموية على الجانب الأميركي, وهذا هو الواقع الحاصل اليوم هناك أي في العراق الذي صار موضوعاً لتقارير ودراسات استراتيجية أميركية وقد عبر عن مضامينها, مؤخراً الرئيس بوش بقوله:( ثمة شبه كبير بين الحالتين الفيتنامية والعراقية وعلى أية حال, فإن أميركا لاتكسب الحرب في العراق).‏

فالمقاومة الوطنية في العراق هي بالضبط الرمال العراقية المتحركة التي تحول كما هي في الحقيقة دون إمكانية الحركة بسهولة وسرعة من جانب جنود ومعدات جحافل المارينز الأميركية وفيما تؤلف بطولات المقاومين العراقيين وتضحياتهم في سبيل كنس الاحتلال ونيل الحرية عائقاً كبيراً أمام تحرك العدو على أرض العراق( الرملية) الصعبة, فإن ذاكرة الشعب العراقي العريق التاريخية والثقافية هي العائق الأكبر أمام حركة هؤلاء على أرض العراق( العصية) فالعراق في ذاكرة شعبه كان, وسيبقى واحداً من أكبر عواصم التاريخ الإقليمي والعالمي مصنعاً للثقافة ورافداً من روافد الحضارة والمدنية.‏

ونحن إذ نؤكد هنا على عظمة المقاومة الوطنية وفاعليتها فإننا نشجب أعمال الفوضى والإرهاب التي تنال من حياة وممتلكات العراقيين الأبرياء والآمنين في منازلهم ومزارعهم أو داخل وسائط تنقلهم ومحالهم التجارية أو في أي مكان آخر من شمال العراق ووسطه وجنوبه على حد سواء تلك الأعمال التي تخطط لها وتقودها ال CIA الأميركية والموساد الإسرائيلية لإشعال نار الفتنة والحرب الأهلية بين طوائف العراق وأعراقه المختلفة مدخلاً لتقسيمه دويلات متناحرة على مقاس المصالح الصهيو إمبريالية في المنطقة العربية.‏

وفيما اعتقد الأميركيون عشية الحرب على العراق أن الاحتلال سيكون بالنسبة لهم بمثابة نزهة شرق أوسطية أو رياضة جري لمسافات قصيرة, ولاسيما وهم أبطال العالم في هذه الرياضة فقد وجدوا أنفسهم, ومنذ الأسابيع الأولى للاحتلال في حالة( عك) حقيقي فوق الرمل العراقي. فالخسائر الأميركية الفادحة في الأرواح والمعدات تتعاظم وتكبر يوماً بعد يوم, تماماً ككرة الثلج المتدحرجة فقط تخطى عدد قتلى الجنود الأميركيين في العراق وحتى تاريخ 31/12/2006- 3000 قتيل.‏

وبينما أخذت دول( التحالف الدولي) في العراق تبادرإلى وضع جداول زمنية لسحب قواتها أو تخفيض عديدها وعدتها تباعاً فإن الأصوات المنادية بانسحاب كامل القوات الأميركية تتعالى وترتفع اليوم في كافة الولايات المتحدة ليس في الشوارع فقط, وإنما كذلك داخل المؤسسات الدستورية الأميركية ولاسيما بعد( الانقلاب) الحزبي الكبير الذي حصل في أعقاب فوز الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب.‏

وأمام هذه المعادلة الصعبة( رمل عراقي وعك أميركي) يبرز سؤال كبير هو: في أي اتجاه( ستهرب) الإدارة الأميركية من جحيم المطرقة العراقية هل نحو الأمام بأشكال مختلفة, إلى مناطق أخرى مجاورة أم نحو الخلف إلى ماوراء الشواطىء الشرقية للولايات المتحدة??‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية