تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أيها التلفزيون: (تكون أو لا تكون) ليست هي المسألة..!!

فضائيات
الاحد 14/1/2007
أحمد العمار

ليس بإرادتها, ولكن بتأثير قوانين السوق من منافسة وعرض وطلب وغيره, انتقلت المحطات التلفزيونية العربية الرسمية -

ومنها - تلفزيوننا بالطبع - من موقع الهجوم إلى خندق الدفاع, إذ أصبح يخوض مع المحطات الخاصة معركة غير متكافئة, كما أنه لم يستطع أن يتحكم بشروطها فضلاً عن نتائجها, والتي نرى أن أغلبها لن تكون في صالحه.‏

محلياً, لا أحد يستطيع أن ينكر أنها قد أطلقت صافرة الإنذار لسباق محموم مع التلفزيون الرسمي, والذي ظل لعقود يحتكر الفضاء السوري, وليس مهماً أن تكمل هذا السباق محطة (دنيا) أو غيرها, بل المهم لمن ستكون الغلبة, والتعادل إيجاباً أو سلباً لن يكون مرضياً لأحد, لأن ذلك يتعارض مع أبسط قوانين التسويق الإعلامي والقائل: ما الذي يميز هذه الوسيلة عن غيرها حتى تبقى في السوق?‏

وعليه, فإن الوسيلة التي لا تستطيع أن تملك إجابة مقنعة ومرضية على هذا التساؤل عليها أن تحمل أمتعتها وترحل, ليس على طريقة محمود درويش (آن أن تنصرفوا), بل على طريقة السوق, ووفق ميكانيزمات الربح والخسارة, ثم الخروج من السوق بعد فقدان الزبائن.‏

ولم يعد مقبولاً الاتكاء على حجة الإعلام الموجه لتبرير عدم التطوير والتحديث الفني والبرامجي والإداري, إذلا يوجد إعلام غير موجه في كوكبنا على الأقل, كما لا يوجد إعلام جمعية خيرية أو إعلام (لوجه الله) - كما يقول محمد حسنين هيكل - ويتساوى في ذلك نوع التوجيه وطبيعته, بمعنى توجيه مع أو ضد أو محايد.‏

فالخيار لم يعد مطروحاً بشكله المبسط: نوجه أو لا نوجه, بل نوجه, ولكن بأية أساليب, وبأي خطاب إعلامي, فكلنا مجمعون على القضايا الكبرى والخطوط العريضة, بل على اعتبار المساس بأمن وازدهار سورية خطاً أحمر, كما أننا متفقون على ضرورة الوحدة الوطنية, وتحسين بيئة الاقتصاد, وظروف المعيشة للمواطن, وتحديث القطاعات وتوطين التقانة.. ولكننا سوف نسيء لذلك كله إن لم نتحدث عنه بالأسلوب المناسب, ونصوغه على شكل رسائل قابلة للهضم المريح لا البلع الذي يقود للتخمة القاتلة, كما أننا يجب أن نجتهد في إخراج الرسالة إخراجاً مشوقاً جذاباً, فأول قواعد التعبئة والتغليف تقول بضرورة وضع السلعة المناسبة في الغلاف المناسب, إذ لا يمكن أن نتخيل وضع المصاغ والمجوهرات في عبوات المواد الاستهلاكية, كما أن العكس صحيح أيضاً.‏

تحد جديد فرضه توالد واستنساخ الفضائيات العربية على المحطات التلفزيونية الرسمية, وقد دعم هذا التحدي أمران: الأول الاحترافية والمهنية العالية في الرسائل الإعلامية الجذابة شكلاً ومضموناً في بعض الأحيان, وتسويق القناة والترويج لها عبر البهرجة والديكور المقصود لذاته والمذيعات الحسناوات اللواتي هنا إلى نجمات السينما أقرب من الإعلام أحياناً أخرى.. والثاني هو سهولة حصول المشاهد على القناة, إذ أصبح بإمكانه أن يتجول عبر مئات القنوات بلمسة خفيفة على ال (الريموت كونترول), لذا أصبح هم القائمين على هذه القنوات هو الاحتفاظ أكبر مدة ممكنة بالمشاهد, بعد أن بينت إحدى الدراسات أن المشاهد يغير القناة بمعدل وسطي من دقيقتين إلى ثلاث, كما أن المشاهد نفسه أصبح مشتتاً بين هذا الكم الهائل من القنوات فما يدري ما يتابع وما يترك, وهو شبيه بقول الشاعر:‏

تكاثرت الظباء على خراشٍ‏

فما يدري خراش ما يصيد‏

وهكذا, أصبحت الأولوية لوجود التلفزيون الرسمي ليس كمنشأة إعلامية وكادر بشري, بل كجهاز ذي تأثير في شرائح واسعة من المتلقين لرسالته, التي يفترض أنها صيغت لهم ومن أجلهم, فإن لم تؤثر بهم فما جدوى وجودها أصلاً? ولأن عدم التأثير معناه وقوع الرسالة فيما يسمى ظاهرة ال (بومرنج), أي الارتداد, وهذا لفظ - كما هو معروف - أخذ من سلاح قديم استخدمته بعض شعوب البورجيني في استراليا, يعود إلى اللاعب الذي يرميه بسبب شكله المعقوب, وقد استخدم دارسو الإعلام هذا التعبير للدلالة على الرسالة التي لا تؤثر على المتلقي وترتد إلى مرسلها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية