|
ثقافة (وغداً كأني بالدم الموّار في صلبي وبكبرياء الله في شعبي تنهال طوفاناً من النار وتعود تلك الدار عامرة بالغار, بالزيتون, بالحب ونعود أحراراً الى الدار فالرمل صادٍ, موجع الأحشاء للثأر.. والشمس تكتم بسمة نشوى بأفراح الغد الزهر..) من (درب الواحة) مجموعة الشاعر علي كنعان كان هذا الاستهلال والمأخوذ من قصيدته (شمشون) نعم عمره خمسة وأربعون عاماً ولايزال النص ندّياً فوّاراً, نصف قرن, أو قرن من الزمن وربما عصور تمر وتمر ونحن من ليل جراحٍ لآخر, ونحن ندفع ثمن الحياة موتاً ودماراً نقدم رجالنا ونساءنا وأطفالنا, وثرواتنا, ومع ذلك نرى الغد القادم جميلاً متميزاً, هي نبوءات الدم, نبوءات النهضة من جديد وعلي الجندي يعيدنا الى مجموعته ثانية: نبدأ التاريخ طفلاً نسبك الرمل حضارة نحن ثرنا..نحن مزقنا الوجوه المستعارة.. وأعدنا لك, ياعذراءنا ياعربية بالدم أكاليل الطهارة عربية عربية في الجذوع الجوف إعصار.. وفي حطب الأجيال نار عربية..). ماذا لو سأل شاعرنا أين النار التي كنتم تعدونا بها..أين الأحلام والآمال..أين شعاراتنا, أين الدم الذي أريق من الماء الى الماء..? لماذا أشواطنا قصيرة, وأحلامنا لاتعدو أن تكون منامات ليلٍ صيفي وتنتهي عند أول استيقاظ, أكتب علينا أن نحلم ونحن نائمون? منذ ألف عام ونيّف وجراحنا نازفة, كلّما ضمدنا جرحاً سالت جراح بكينا الأندلس وقلنا: نقاتل الصغار الذين شقّهم اسفين الاخر لم يكونوا يداً واحدة..ودفعوا الثمن..ودفعنا بعدها من عمرنا أربع مئة عام..وجاءتنا النكبات والنكسات, واحترنا من أين نستعير أسماءً وألقاباً لنكباتنا لنكساتنا لكوارثنا, نعم آمنا أننا أمة حضارة وتراث, آمنا أن (الذئاب تصول..) ولكن ماذا أعددنا للقيا هؤلاء القادمين, المسلحين بأدوات الفتك, وعلى رأسها الحقد وهو أكثر الأسلحة فتكاً, إنه السلاح الذي لاينتهي ولا يتلاشى, ما من سلاحٍ في يد الإنسان إلا وينتهي بعد استخدامه إلا سلاح الحقد..ومع ذلك تظل عقولنا في أحسن حالات عملها متورمة بحجم حبّة الحمص متجاوزة وجه العدس, لانقرأ التاريخ لانقرأ الواقع, لانتعظ, نحرق بيادرنا, نأكل أكبادنا, نستبيح أوطاننا نلقي بأنفسنا الى أحضان الذئاب..وعند أول منعطف أو حفرة نعلن أننا لسنا قادرين على المتابعة, والسؤال الذي يطرح نفسه وبألم: لماذا يلتفون حول أهدافهم واستراتيجياتهم ويعملون من أجل أهدافهم العدوانية ليل نهار, لايكلّون ولايملون..يضعون المخططات ويجهرون بها, وينفذونها خطوة تلو الخطوة, ونحن قابعون في كهوفٍ مظلمة نتغني بالماضي المجيد, ونحلم بالمستقبل الذي يعيده, وحاضرنا يباس وهشيم والزمن ينسرب من بين أيدينا, وكل واحدٍ منّا يقدم الاخر وقوداً لأتون لاينطفىء.. نعم..أيها السادة أشواطنا قصيرة لأنّ بعض الفرسان أدعياء, لأنهم فرسان كلمات, لأنهم خفافيش ظلام, لكنّ الميدان واسع ورحب المدى, وفي ساحة المعركة يفتك الجبان برفاق السلاح ويفرك يديه فرحاً بالسلامة, وهو لا يدري أنّ النزع الأخير من حياته يمشي اليه بقدميه, بيديه الخائبتين, وبروحه العفنة..نعم أيها السادة..كما يقول المثل الشعبي: (مَنْ لايرى من المنخل فهو أعمى..) وإذا لم تكونوا ترون ليس من المنخل, أو إذا لم نكن رأينا فنحن أكثر من عميان بل عاجزون, كسحاء, وعلى رأي أبي القاسم الشابي (ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر..) إننا نتهيب أن نقول كلمة حق, نتهيب أن نعلن رفضنا للموت, نخاف أن نبكي أنفسنا ونحن نذبح, أو أن نبكي أبناءنا أخوتنا, فهل نحن جديرون بأن نفكر بصعود الجبال..? ومع ذلك ثمة من يقرأ القادم على أنه الأجمل, على أنه الأكثر طهارة ونقاءً القادم بعد ربيع الدم سيكون لأطفالنا لأطفال أطفالنا..سنبقى وقوداً وسيبقى الأمل, ولكن ثمة خوفاً من أن تقفز الجرذان الى قطف ربيع القادم..ورحم الله بدوي الجبل إذ قال: ما للسفينة لم ترفع مراسيها ألم تهيّىء لها الأقدار ربانا شقي العواصف والظلماء جارية باسم الجزيرة مجرانا ومرسانا ضمي الأعاريب من بدوٍ ومن حضرٍ إني لألمح خلف الغيم طوفانا يامن يدلّ علينا في كتائبه نظار تطلع على الدنيا سرايانا وهل يحق لنا أن نسأل: من نصدق بدوي الجبل أم أبا نواس الذي قال (ليس الأعاريب عند الله من أحد..) |
|