تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الهوية الثقافية روح الأمة و مصدر إبداعها

ثقافة
الاربعاء 9/11/2005م
د. عيسى الشماس

يقول /المهاتما غاندي/ : (لا اريد ان ارفع جدران بيتي, ولا اغلق نوافذ,

حتى اتعرض لتيارات الثقافات المختلفة, ولكن لا اسمح لأي منها ان يقتلع جذوري..) وهذا يعني ان للثقافة- في بعض جوانبها - صفة المشاعية الانسانية ,التي تتيح لكل مجتمع ,بل لكل فرد, ان يأخذ منها ما يحتاجه او يناسبه من الافكار والقيم, والمفهومات العلمية والادبية, مع المحافظة على الثقافة المحلية اصيلة وقوية.‏

ومن هنا , لم يقل /غاندي/ ذلك القول لو لم يكن واثقاً من اصالة ثقافته, وثبات هويته, وصلابتها وقدرتها على الصمود في وجه الثقافات الاخرى/ الغازية/ وهو يدرك - بلا ادنى شك- عمق ثقافته وامتداد جذورها في تاريخ شعبه, المتمسك بها والقادر- في الوقت نفسه - على الاستفادة من الثقافات الاخرى لاغناء ثقافته وتفعيلها وتجديدها, لتبقى اصيلة, خالدة في بعدها الحضاري / الانساني.‏

واذا كانت الثقافة احد المقومات الاساسية التي تعبر عن هوية الامة, وترتبط بأصالة هذه الامة وامتدادها التاريخي, فان الهوية الثقافية ( الحضارية) العربية,اثبتت منذ فجر التاريخ وحتى عصرنا الراهن, انها ثقافة اصيلة, اتسمت على الدوام بالتفاعل والتجدد والابداع, فهي تغني الثقافات الانسانية وتغتني منها, بما يجعلها تؤدي دور رسالتها الانسانية في المجالات المختلفة ( الفكرية والعلمية والروحية) فلم تتقوقع ولم تنكفئ على نفسها وتبتعد عن التأثيرات الثقافية التي كانت تتعرض لهامن جهات عدة,بل كانت امة منفتحة, واثقة اصالة ثقافتها , تأخذ وتعطي بقدر ما تستطيع, وبتفاعل خلاق منحها قوة الصمود في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة.‏

اننا جزء من العالم , باتساعه وتعدديته, ولا يمكن ان نعيش بمعزل عما يدور فيه ( ايجابا او سلباً), وهذا يتطلب ان نكون فاعلين وليس منفعلين فحسب , وبما يسهم في اثراء مخزوننا الثقافي وتقدمنا الاجتماعي, فعلاقة الثقافة بالوجود الانساني ليست صيغا تظهر في حقيقة مستقلة للنفس ا لانسانية, وانما هي طرائق تتجه خلالها النفس الانسانية نحو موضوعيتها , اي تجلياتها, ولذلك فان الهوية الثقافية ترتبط بالسيادة التي تنتمي الى كيان الدولة الوطنية وسيادته, لأن هذا الكيان هو الوعاء( الجغرافي - السياسي ) التي تملأ فيه ثقافة المجتمع الوطنية .. وهنا تكمن اهمية الكيان الوطني في توحيد المخزون الثقافي, بمصادره الاجتماعية, واخراجه وتعميمه على رحاب مساحة الوطن.‏

واذا كان الامر هكذا, فاننا لا نستطيع ان نصوغ معنى الوجود الانساني في نفوسنا, ونشعر بالانتماء نحوه اجتماعياً, ونجاهد وصولاً اليه هدفاً اسمى في اطار المنافسة العصرية, الا اذا امتلكنا ثقافة هي نتاج نشاطنا الاجتماعي, اي ثمرة فعاليتنا الايجابية وتفاعلنا النشط على المستوى الحضاري.‏

فالثقافة اذن هي روح الامة وسيرورة وجودها, والهوية انتماء للامة واثبات لشخصيتها الذاتية وهويتنا الثقافية العربية موجودة في اعماق التاريخ العربي وموثقة ببصماته, بحيث يصعب تزويرها او استبدالها , مهما حاول المشككون , ومهما هول المتشائمون ,انسحب الخائفون امام الصراعات الثقافية المطروحة.. اننا في مواجهة فعلية لاثبات هذه الهوية وازالة ما علق بها من تزييف او تشويه او ضعف اراده المضللون, لكي يعود لونها الاصيل وفق متطلبات العصر وحركة التاريخ, ضمن عملية التفاعل الايجابي مع الثقافات الاخرى.‏

فالهوية الثقافية ثابتة,والحفاظ عليها يحتاج الى وعي لخصوصيتها الفردية والجمعية, وادراك عناصر العلاقة الجدلية بين الذاتي والموضوعي, وتفعيلها في الاطار الثقافي بأبعاده الوطنية والانسانية, وبما يتناسب مع المعطيات العصرية والمؤثرات الحضارية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية