|
مجتمع وصار بمقدورنا الآن أن نخضع المسألة لروائز النجاح, فالتجربة مشروعة, والإخفاق وارد, وفي كثير من الأحايين تجري الرياح بما لا تشتهي السفن, اللهم إذا كانت السفن راغبة في الوصول الى شاطىء النجاة بعيداً عن عباب الموج!. وقبل الدخول في التفاصيل علينا أن نسلم بمشروعية اختبار المهارات التي سئل عنها الطالب وضمن منظومة الأسئلة التي انتصرت على نمطيتها المعهودة, كما لا يستطيع أحد أن يتجرأ على رفض الأسئلة المطروحة لابل يعلن حماسه لنفس الارتقاء الملحوظ في النموذج العام, غير أن جدوى ذلك تتحقق بالإعداد المسبق والمتكامل معرفة وإخلاصاً ولا نزال بعيدين!, أكاد أجزم بأن الأسئلة صرخة احتجاج صادقة النوايا لكنها كانت على حساب الطلاب. لقد غيبنا ما اصطلح عليه ب (استراتيجية فن السؤال) وصارت إرثاً لنا ومن مسلمات ذخيرتنا التربوية, ونقر دائماً بأن للأسئلة ثلاثة مستويات تخاطب الجيد والوسط والضعيف, وقد تحررت الأسئلة من تلك الاستراتيجية, إذ توجهت بمجملها الى مخاطبة الشريحة الأولى, وقد تعثر بعض جموعها فكانت الصدمة عامل نفور من اللغة لا تسهل إزالته, وخاصة من ذاكرة أولئك الذين حازوا على كامل الدرجات في المواد كلها وخسر الواحد منهم عشر درجات وأكثر في العربية!! لا أدافع عنهم وأقر بوجود فجوة علمية لدى كل منهم, لكنني وبأسى أقر بأن هذه النماذج ميدانية وحقيقية. ولا أزال أذكر ما قلته لصديقي عيسى بعيد النظرة السريعة إبان الامتحان بأن الأسئلة قاسية, بدا مرتبكاً وقد تخيل ابنه محبطاً لأنه لم يتعامل جدياً مع نص الشاعرة فدوى طوقان شأنه شأن الكثير من الطلاب الذين أهملوا النص متبنين موقفاً!! أو مستندين الى توجيهات مرتجلة وغير مسؤولة, وتناقل الناس الأحاديث مجمعين على صعوبة الأسئلة, وهذا يقودنا الى التساؤل وباعتراض موضوعي عن لا تكافؤ طرفي المعادلة الذي آلت إليه المقدمات غير الصحيحة وكان بالإمكان استدراكه بقليل من التمعن والرؤى الجادة. وسأبقى محتفظاً بأن الطالب هو من سيرقى الى مستوى الأسئلة وطريقة الارتقاء ليست معقدة. وكان السؤال الأول (انثر المقطع) الأشد إرباكاً وحيرة فالطالب لم يستوعب مضمون السؤال لأنه لم يعرف معنى كلمة (انثر) فالكلمة ليست مستحدثة, وسبق أن وردت في نموذج دورة 1994 للفرع العلمي ولم تكن حينها إشكالية لكنها اليوم تحريضية,فلقد وفرت فرصة ليتدخل العارفون وغير العارفين, ما أثار أجواء من الشكوك. وبالعودة الى جذر الكلمة في المعجم المدرسي والذي من المفترض أن يكون موقراً للطلاب نجد(الحب وغيره-نثراً ونثاراً: رمى به متفرقاً فهو منثور. و- الكلام: صاغه نثراً والنثر:الكلام الجيد المرسل بلا وزن ولا قافية وهو غير النظم) ويبدو أن الطلاب استحوذ على ذهنياتهم المعنى الأول فجاءت إجاباتهم غاية في الإدهاش والغرائبية وإليكم نماذج من الإجابات المتكررة: 1- البعض أبقى مكان الإجابة فارغاً وانتقل الى السؤال الثاني وهو لم يلجأ الى ذلك لأنه لا يعرف الجواب, وإنما لجأ إليه ظناً من أنها الإجابة المطلوبة. 2- عمد بعض الطلاب الى إلغاء التوصيل بين أحرف الكلمة الواحدة فجاء المقطع بحروف متناثرة. 3- نثر طالب السطر الشعري (بكم بالأرض بالإنسان) فوضع (بكم) في أول السطر و(بالأرض) في منتصف السطر أما (بالإنسان) فوضعها في نهاية السطر. 4- وذهب التخيل البريء بطالب الى أن يضع مكان السطر الأول الخامس ومكان الثاني السابع ومكان الثالث الأول ظاناً بأن خلط الأسطر يحقق النثر بطريقة أنموذجية. 5- شرح بعضهم المقطع بالشكل الاعتيادي. 6- لجأ كثيرون الى كتابة الأسطر السبعة للمقطع بشكل متواصل وكأنها مقطع من نص في القراءة وهكذا تميزت الإجابات بالبراءة والتخيل الغريب ولم يكن صعباً ولا مستهجناً لو صيغ السؤال ب(اشرح المقطع) أما بالنسبة لسؤال النعت والمنعوت فلن أقول كما كتب الدكتور شوقي المعري جازماً بأنه لن يجيب على السؤال أي طالب إلا من وجه الى ذلك, وأعتقد أنه مبالغ في حكمه, غير أنني أشير الى أن السؤال انطلق من سقف المهارة التي تمس البحث المطلوب, وينسحب ذلك أيضاً على سؤال المصدرين السماعي والقياسي,فإذا كان المنعوت في السؤال السابق يتكون من كلمتين فإن مصدر الفعل الرباعي يتطلب من الطالب تفكيك حرف المد حتى يصل بالفعل الى الرباعي المنظور بصرياً وبالتالي يدرك وزنه ووزن مصدره فالعملية مركبة والمهارة في قمة هرمها أيضاً. أما سؤال المطالعة فلقد حاصر ذاكرة الطلاب المحاصرة أصلاً بفعل الاستعداد المتوتر, ما أشعرهم بعطب التذكر واختلاط الأقاويل الى الحد الذي ضيع على الكثيرين إصابة الهدف وكأن الغاية تعجيزية أو ما يشبه ذلك!! ويخيل إلينا للوهلة الأولى أن الأسئلة موجهة الى طلاب الشهادة الثانوية, فالجرعات المعرفية متباينة,والأبحاث الواردة في منهاجي المستويين تدلل على الفروقات الواضحة, ففعلا الشرط مثلاً مع (لو) ماضيان, وماضيان في الغالب في كلا المنهاجين وكذلك لو أجرينا موازنة بين أسلوبي التعجب في الكتابين لوجدنا فروقاً حقيقية وهذا عادي ومدروس, وبناء عليه يجب أن تراعي الأسئلة تلك الفروقات, أو على الوزارة أن تحدد مسبقاً مستوى الجرعات التي يجب على الطالب تلقيها بغية الانسجام المنطقي بين الأبحاث المطلوبة وطريقة الأسئلة. وإذا كان لا بد من الوقوف عند موضوعي التعبير ففي موضوع الهرة الأول حس عدائي, وفي موضوع الضياع وسط الزحام في مدينة الألعاب الثاني نفس ترهيب, ولا أدري إن كان كل طلبة القطر معنيين بمضموني الموضوعين مكابدة وسلوكاً. وإنه لمؤلم أن ينقل إلينا أن طالباً قتل حتى قبل إنجاز التصحيح ست قطط, والسادسة قتلها بطريقة بشعة, وأعتقد أن المشتغلين بالتحليل النفسي يشاطرونني الرأي بأن ذلك الطالب ليس عدوانياً بالفطرة والنوازع, وإنما كان سلوكه تعبيراً عن انتقامه من السؤال. إن الأسئلة التي تحول الممتحنين الى عدوانيين كارثيين, والأجدر بواضعيها ألا يفكروا بمثلها. لن أكرر جملة الأحكام التي وردت في سياق المقالة, ولا منظومة الرؤى والاعتقادات, لكنني أؤكد بأن المدرس يشكل الحلقة الأقوى, وبارتقائه يرتقي التعليم, وليس مقبولاً أن نزين لأنفسنا مسوغات التقصير مهما كانت, فنبل الأمانة محرض على العمل, ومعبر الى النتائج الخلاقة. |
|