تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نوافذ....أسوأ الاحتمالات

صفحة أخيرة
الاربعاء 9/11/2005م
عبد النبي حجازي

انعقدت صداقة بين إنسي وجني. وذات مرة سأل الإنسي الجني:

- اراك انساناً سوياً فكيف يكون ذلك?‏

- نحن معاشر الشياطين نتراءى لبني آدم بأية صورة شئنا, نظهر متى شئنا, ونختفي متى شئنا.‏

- ونحن كيف نتراءى لعيونكم?‏

- دُمى.‏

- وأنتم ماشكلكم الحقيقي?‏

- تعال معي لترى, ولكن حتى لا تتسبب في أذاتنا وأذاة نفسك حذار ان تفوه بكلمة ( بسم الله الرحمن الرحيم).‏

خرجا الى ظاهر البلدة وعند سفح الجبل وَلَجا مغارة كبيرة فضاءت لعيني ابن آدم.‏

رأى شيطانا بجسم انسان ورأس ثور, وآخر بجسم حمار وأطراف انسان, وآخر بجسم نعامة وذنب حصان..‏

رآهم مولمين يتحلقون حول الاخونة: خوان فيه قوائم خراف ورؤوس ثيران.‏

وخوان فيه اشكال من اللقلق والبجع والصقور. وخوان فيه أفاع وجنادب...‏

وما ان امتلأت بطونهم حتى قاموا يرقصون: كالأحناش, كبنات آوى, كالدببة .. وانتهت الزيارة وإذ هَمّ بالرحيل نثروا عليه قشور البصل. انزعج, ونحاها ساخطاً على صديق غرور. وما ان وطئت قدماه الفلاة حتى رأى ليرة ذهبية عالقة على طية من ثيابه. تلمسها: ذهب! دقق فيها: والله ذهب!‏

ان فيهم نفحة من روح الله: إلهام, مزية يتفردون بها من سائر مخلوقات الله. الذهب عندهم قشور بصل! والانسان دمية!‏

قضوا على الهنود الحمر (السكان الاصليين)‏

اصطادوا الزنوج من سواحل افريقيا , وحملوهم بالبواخر الضخمة الى امريكا مقيدين بالسلاسل , والقوا المئات ممن تمردوا عليهم احياء في عرض البحر غيروا دينهم , وجعلوهم عبيدا ارقاء رجالا ونساء واطفالا , واستخدموهم في الفلاحة والزراعة وفي احط الاعمال شأنا , واحقرها , داسوا على رقابهم , اسكنوهم بين البهائم .. (اقرأ رواية الجذور للكاتب الامريكي المتحدر من اصل مالي الكس هالي.‏

وسموا نفسهم: العالم الحر!‏

اعلن الرئيس الامريكي الثالث والثلاثون هاري ترومان (1945-1953) مبدأ الدعم الامريكي للعالم الحر , وخلفه الرئيس الرابع والثلاثون دوايت ايزنهاور (1953-1961 فسار على خطاه واعلن مبدأ سد الفراغ في منطقة الشرط الاوسط.‏

استعملوا في حرب فيتنام الاسلحة الكيماوية تلك التي جردوا بها غابات فيتنام من اوراقها , ورشوها على مواسم الارز , يأكلها الفيتناميون فتخدرهم اربعا و عشرين ساعة (اقرأ جرائم الحرب في فيتنام لخمسة من كبار مفكري العالم كجان بول سارتر, واسحق دويتشر ,وبرت راندروسل..)‏

واستعملوا في كل حروبهم على شعوب العالم (الثالث) سائر الاسلحة الممنوعة كالقنابل العنقودية والنابالم , واليورانيوم المخصب.. كما فعلوا في غزو افغانستان وغزو العراق.‏

قرروا اسقاط الاتحاد السوفياتي بسبب انشطار فكري عقائدي , فحاصروه من اربعة اركان الارض بعدد من الاحلاف قامت في اواسط الخمسينات :حلف شمال الاطلسي (الناتو) في بروكسل - بلجيكا حلف جنوب شرقي اسيا في مانيلا - الفلبين - حلف بغداد. وفي مطالع التسعينات اخترقوا اسوار موسكو واسقطوا الاتحاد السوفياتي الذي كان السوس ينخر فيه من الداخل.‏

في التسعينات(بيّتوا) لاحتلال العراق فمهدوا بمحاصرته اثني عشر عاماً فأنهكوه وتسببوا بموت مئات الألوف من الناس وبخاصة الاطفال.‏

وجاءهم الحادي عشر من ايلول 2001 على قدميه فأعلنوها حرباً على الارهاب لاتبقي ولاتذر,فأثمرت ادعاء ان لدى العراق اسلحة دمار شامل.ففتّشوا وهوّشوا ولم يعثرواعلى شيء.‏

أشاحوا عن مجلس الامن,وغزوا العراق لتحقيق الحرية والديمقراطية,وكانت ديموقراطيتهم فظائع لم تشهدها سوى القرون الوسطى.وخربوا العراق: بشرياً واقتصادياً وثقافياً وإنسانياً,وأمنياً.‏

إن ما صرف من أموال على غزو العراق يكفي فقراء العالم أجمعين.وما ألقي من قنابل ومتفجرات أضعاف ما ألقي على هيروشيما وناغازاكي.‏

ولم يشف نفوسهم بعد كل ما صنعوا على مدى تاريخهم المحدود-نسبة الى تواريخ أمم الارض-من فضائع,وقتل,وتخريب,ودمار,وهدر كرامة الانسان الذي لا أدري كيف ينتمون اليه.فأعلنوا ان سورية دولة إرهابية مارقة,وهددوا وتوعدوا, حتي جاءهم اغتيال الحريري,بل صنعوه صناعة ليتخذوه ذريعة وهوشوا أعوانهم بمجلس الامن.‏

فإما ان نكون إمعة (كغيرنا) نخفض رؤوسنا لشرق أوسط كبير ونصالح اسرائيل بشروطها ونحارب اهلنا في العراق... وإلا فليس أمامنا سوى أسوأ الاحتمالات.‏

ولكن: هل هم قادرون على تحمل ورطة جديدة بعد ان غرقوا في مستنقع غزو افغانستان ثم غزو العراق,وأصموا آذانهم عن اصوات التنديد من اربعة أركان الارض شعوباً ومثقفين وأحراراً بدءاً من امريكا نفسها كالمخرج السينمائي مايكل مور?.‏

هبْ أنهم مستعدون فتعالوا نتكلم بصراحة.:‏

ما من سوري لايعرف-ولايتكلم سراً أوعلناً- عن الاخطاء التي تراكمت.‏

وما من سوري لايتفاءل قليلاً او كثيراً بانه ثمة اتجاهاًً جاداً للإصلاح.‏

اما ان يطلب (ميليس) على لسانه أو لسان غيره ما يطلب, ومن يطلب.‏

واما ان يعلن (شارون) على طريقة المتمنعات الراغبات انه غير مستعد ان يعقد صلحاً مع سورية, او يفاوض في موضوع الجولان. وكأن سورية تترامى على عتباته.‏

فإن السوريين - حتى اليائسون من الاصلاح - لا يتنازلون عن كرامتهم, عندما تكون كرامة وطن بنوه بدمائهم وعرقهم لبنة لبنة موضع مساومة.‏

وقد قال المتنبي:‏

من يهن يسهل الهوان عليه مالجرح بميت ايلام‏

وقال أيضاً:‏

وان لم يكن من الموت بدٌ فمن العجز ان تموت anhijazi@scs-net.org‏

">جبانا‏

anhijazi@scs-net.org‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية