تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عودة ملغومة للحديث عن الحل السلمي.. لماذا؟

صفحة أولى
الاثنين 10-11-2014
د. أمين حطيط

من يتابع أداء الجماعات الارهابية في الآونة الاخيرة يلاحظ امرين أساسيين، الاول ارتفاع نسبة التناحر فيما بينها ما يقودها الى التشتت والتآكل، والثاني العودة المكثفة الى الاعلام التزويري والحرب النفسية لتعويض الخسائر وحجبها،

بما يذكر بالايام الاولى لشن العدوان حيث كانت المعارك التلفزيونية والاشاعات والتلفيقات وادعاء الانتصارات الوهمية هي الاساس الذي ترتكز عليه قيادة العدوان على سورية.‏

ومع هذا المشهد تطرح الاسئلة حول الاسباب التي حملت جبهة العدوان وادواتها الارهابية الى مثل هذا السلوك، بعد ان كانوا يمنون النفس بالانتصار السريع والاجهاز على الدولة السورية وعبرها تفكيك محور المقاومة واقامة النظام الاقليمي الذي يناسب اسرائيل والنظام العالمي الاحادي الذي تريده اميركا، وهي احلام- اوهام اضحت من التاريخ، فارتد المعتدون على انفسهم يتناهشون، والى الاعلام لتعويض الهزائم بتلفيق الانتصارات، والسؤال الاهم الى اين سيقود المشهد هذا؟‏

الاجابة على التساؤلات تلك تبدأ من الميدان، فالقاعدة الاساس هي: «في الميدان نزرع وعلى طاولة التفاوض نحصد» وفي سورية اثبت الجيش العربي السوري قدرات عســـــكرية مميـزة وعمـــــــل بقرار لا رجعة عنه، يتمثل بوجوب استعادة الامن والاستقرار الى ربوع سورية كلها، قرار نفذه وفقاً لخطة عسكرية محكمة راعت الاولويات مستجيبة لاهمية الهدف وقابلية تحوله الى قاعدة يستند اليها في انتاج انجاز جديد، وفقاً لمقولة «الانجازات المولدة للانجازات الاكبر».‏

وبمقتضى هذه الاستراتيجية التي اعتمدت منذ صيف العام 2013 تمكن الجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفة من تطهير مناطق هامة على مساحة البلاد، ومنع الارهابيين من الدخول الى مناطق جديدة، واجراء عمليات التطهير السريع في اي قطاع يحدث فيه خرق او تقدم مفاجئ للارهابيين وهو ما يفسر ما حدث في اكثر من منطقة وميدان نذكر منها بشكل اساس:‏

1- القلمون التي يستميت الارهابيون لاستعادة مركز او موقع في بلدة او قرية من القرى التي طردوا منها هناك، ورغم كل محاولاتهم فشلوا في تحقيق اي انجاز، كما ان وضعهم يزداد صعوبة مع تكامل العمل العسكري على جانبي الحدود اللبنانية السورية الشرقية، حيث يعمل ايضاً الجيش اللبناني مع رجال المقاومة التي ينظمها حزب الله ويمنعون الارهابيين من الوصول الى الاماكن الدافئة في سهل البقاع ومنه الى الساحل اللبناني.‏

2- الغوطة الشرقية حيث اخرج الارهابيون من الانفاق والاوكار التي تحصنوا فيها واتخذوها قواعد للمس بأمن العاصمة، وباتوا في وضع المنتظر للخروج النهائي من محيط دمشق بعد ان اخرجوا من المليحة وعدرا ويتحضرون للخروج مما تبقى في جوبر وبعدها دوما.‏

3- جبل الشاعر وحقل الغاز فيه حيث اخرجوا منه مرتين مع تكبيدهم خسائر فادحة تمنعهم مستقبلاً من التفكير من الاقتراب من الحقل او محاولة الاعتداء عليه بأي وسيلة من الوسائل.‏

4- مورك ومنطقتها التي ادى تطهيرها الى دفع خط التماس مع الارهابيين اكثر من 35 كلم باتجاه الشمال الشرقي الامر الذي هيأ بيئة تناسب الجيش العربي السوري لاستكمال تطهير كامل المنطقة جنوب غربي حلب ما يساعده على خوص معركة اكثر سهولة في الاجهاز على الارهابيين في حلب التي تنتظر.‏

5- ومن الاهمية بمكان ذكر معركة عين العرب التي ارادتها راعية الإرهابيين تركيا خدمة لمصالحها واخفقت داعش الارهابية في احتلالها حيث صمد الاهالي ودافعوا عن مدينتهم ولا يزالون.‏

6- ولا ننسى ما حصل في السجن المركزي في حلب والمنطقة المحيطة التي ادى تطهيرها الى حصار الارهابيين وقطع طريق امدادهم الرئيسي بشكل عقد معركتهم وجعلها اكثر صعوبة في مواجهة الجيش العربي السوري القادم الى تطهير ما تبقى في حلب.‏

7- واخيراً ينبغي التذكير بالعمليات العسكرية المميزة التي يديرها الجيش العربي السوري على الجبهة الجنوبية والتي افسد حتى الآن على الارهابيين وقيادتهم الخارجية ورغم الدعم الاسرائيلي والاردني المباشر، افسد عليهم اقامة المنطقة الامنية في الجولان، واتجهوا الى ارتكاب الجرائم الوحشية بحق المدنيين السوريين في المنطقة لاجبارهم دون جدوى على التنكر لدولتهم والالتحاق بالمشروع الصهيو اميركي لكن وطنية اهالي الجولان على جانبي خط التماس/ وقف اطلاق النار، منعت الارهابيين من تحقيق اهدافهم.‏

هذه الانجازات وغيرها اكدت ان سورية وصلت في معركتها الدفاعية الى حد يبشر بانتصارها على العدوان، ويؤكد ان فرص نجاح المعتدي في الميدان باتت ضيقة، وامله في تحقيق انجاز جذري بات معدوماً، أو حلمه في تحقيق انجاز تفاوضي بات منخفض السقف وبسبب ذلك سجل على جبهة المعتدين على سورية ومناهضي الامن والاستقرار فيها ارتباك وتخبط وتناحر لا يمكن ان ينبئ باحتمال تحقيق انجاز من طبيعة تغير اتجاه الاحداث.‏

ففي البدء سعى المعتدون الى اسقاط الدولة السورية عبر حرب الحسم والتغيير الجذري ففشل المشروع ودفنت اشلاؤه بين القلمون والصحراء مروراً بالغوطة الدمشقية، وكان نعي المشروع في جنيف 2 حيث فشلت قيادة العدوان في كل ما لجأت اليه من مناورات الخداع على طاولات التفاوض، فعادوا الى الميدان ثانية لتحقيق ما اسموه اعادة التوازن اليه قبل استئناف التفاوض لكنهم فشلوا مرة اخرى وسلموا بأن اسقاط سورية ضرب من الخيال.‏

وبعدها لجؤوا الى حرب الاستنزاف التي اعتمدوا فيها على داعش التي عولوا عليها لتعيد الوجود العسكري الاميركي الى العراق فتضغط مباشرة على سورية وايران وتحول دون تنامي محور المقاومة بضم العراق اليه، وتمنع سورية وحلفاءها من متابعة الانجازات الميدانية واستثمار هذه الانجازات بما يتيح لها اجتثاث الارهاب واستعادة الامن الى الارض السورية في نهاية المطاف.‏

لكن المحاولة تعثرت ايضاً حيث ابدى العراقيون رفضاً لمثل هذه العودة العسكرية البرية اليهم وتصاعد رفضهم ضد التخطيط لإدخال 1500 عسكري اميركي جديد يضافون لمن سبقهم بالحجم ذاته تقريباً تحت عنوان التدريب لانهم رأوا فيها قوات قتال للدفاع عن المصالح الاميركية في العراق.‏

اما على الجانب السوري فنسجل عدم تأثر الجيش العربي السوري بما يقوم به التحالف الدولي الاميركي من ضربات استعراضية لداعش اذ تابع عملياته في البلاد محققاً الانجاز تلو الانجاز كما ذكرنا موقعا بالارهابيين خسائر فادحة اضطرت اميركا مؤخراً للادعاء بانها عطلت اتصالات داعش ما ادى الى خفض معنوياتها، في ادعاء بقصد اظهار الدور الاميركي في التأثير في الميدان والشراكة في الانجازات.‏

وعليه نجد ان الاخفاق الذي يعانيه المشروع العدواني على سورية بات في حجم وصيغة يصعب معها استنقاذه، ورغم ان حرب الاستنزاف التي بدأها ما زالت مستمرة، فإن المشهد الميداني بات يؤشر الى ان هذه الحرب لن تؤدي الى تحقيق اهدافها خاصة وان سورية عرفت كيف تواجهها وتضيق رقعة نارها، الامر الذي ارتد على العصابات الإرهابية انهياراً معنوياً عبرت عنه اميركا ونسبته زوراً الى ضرباتها الجوية والحقيقة هي أن الانهيار المعنوي ذاك عائد إلى خسائرهم في الميدان في مواجهة القوات العربية السورية، الأمر الذي جعل الإرهابيين يغالون في الاعتماد على الكذب والتلفيق واختراع الانتصارات الوهمية التي لا أساس لها من الصحة على أرض الواقع من أجل رفع المعنويات، فضلاً عن معارك وحروب الإلغاء فيما بينها توخياً لإثبات الوجود والأهمية طمعاً باحتلال مقعد ما في أي حل تأتي ساعته في آخر المطاف، وتجهد أميركا لإشراك من تسميهم معارضة معتدلة «وكأن في الإرهاب اعتدالاً!» تجهد لتحضيرهم ثم إشراكهم فيه ليكون لها حصتها في الحل كما تتصور.‏

نعم إنه سيكون في النهاية حل تفاوضي يكرس نتائج المواجهة «لا نقول حل سلمي مطلقاً، بل حل للخروج من الحرب وتكريس نتائجها» حل سيستجيب بدون شك للمعادلات القائمة والتي تزداد مع الوقت ترجيحاً للموقع السوري ولهذا يبدو أن أميركا بدأت تدرك أن التأخير لن يكون في مصلحتها ومصلحة أدواتها الذين تسميهم حلفاء، ولهذا عاد الحديث عن الحل السلمي وبشبه إجماع المعنيين وبهذا نفسر حركة المبعوث الأممي دي ميستورا الذي واكبه الموقف الأميركي المعبر عنه بالتوافق مع روسيا للعمل على حل سلمي سوري سوري تفاوضي بين الحكومة السورية وكل من الفرقاء السوريين المناهضين لها من دون أن يحصر التفاوض بمن كانت تريدهم أميركا ممثلين حصريين للشعب السوري؟ توافق سجل فيه تراجع أميركي واضح.‏

ورغم أنها البداية، لكنها تبقى غير مضمونة خاصة وأنها ترافقت مع لغم أو ما يمكن اعتباره إخفاء لخديعة عبر عنها بما طرح من فكرة تجميد النزاع في بعض المناطق السورية وهي حيلة قد يكسب منها الإرهابيون ولكن نرى أن سورية لن تقع فيها وهي التي أثبتت سورية بصمودها وتضحيات جيشها وبدعم من محور المقاومة وحلفائها الدوليين أنها واعية للمناورات الاحتيالية وأنها قادرة على الدفاع عن نفسها وحققت الإنجازات المؤثرة التي شتتت المعتدين وفتحت الطريق إلى التفكير الجدي بما يجب أن يكون من حل للخروج من أزمتها، حل يحفظ مصلحة سورية وشعبها دون أن يكون تنازل أو مس بالسيادة مهما طال المطاف.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية