|
متابعات سياسية وهادف ويتضمن الكثير من الدلالات والرسائل المطلوب إيصالها بشكل مباشر وغير مباشر وإلى أكثر من جهة ، وبمقدار ما يصل مضمون الرسائل المعدة مسبقا بدقة إلى الجهات المستهدفة بقدر ما تكون المناورات العسكرية ناجحة والعكس صحيح، ومن المفيد هنا التذكير بأن أنجح الحروب هي التي يتم فيها تحقيق الأهداف دون الحاجة لاستخدام القوة العسكرية أو الصراع المسلح، ومن المسلم به أن الغاية من الحروب عبر التاريخ كسر إرادة العدو وإرغامه على تغيير مواقفه وسلوكه بما يحقق مصالح من يقوم بشن الحرب إذا كانت هجومية، وفي هذه الحال فإن استعراض القوة التدميرية وعرض القدرات العسكرية التي تمتلكها هذه الدولة أو تلك من الدول التي تتبنى العقيدة الهجومية، وبث ما قد يخلفه نشوب الحرب من دمار وخسائر بشرية قد يدفع بالدولة المستهدفة لتخفيض سقوف مواقفها وتقديم التنازلات وبالتالي يتم كسر إرادتها وتحقيق الأهداف الاستراتيجية من دون التورط بخوض أعمال قتالية عبر حروب قد تمتد زمانياً ومكانياً وتخرج عن السيطرة. والأمر ذاته ينطبق على الدول التي تتبنى عقيدة دفاعية كما هو حال الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث يؤدي تنفيذ مناورات عسكرية وخاصة على المستوى الاستراتيجي إلى إفهام أصحاب الرؤوس الساخنة بأن أي مغامرة أو مقامرة قد تكون تكلفتها تفوق طاقة تحمل من يفكر بشن الحرب، سواء أكان دولة محددة أو مجموعة دول، ومن هنا يكتسب عنوان المناورات وأهدافها المعلنة أهمية استثنائية لأنهما يشيران بوضوح إلى العدو المفترض، فلكل مناورات عسكرية ـ هجومية كانت أم دفاعية ـ عدو مفترض، وعادة لا يتم الإفصاح عنه بوضوح لكن التسمية والأهداف المعلنة تحددان اتجاه البوصلة بشكل يساعد على إيصال الرسائل المتعددة التي تتضمنها المناورات العسكرية، فما هي الأهداف التي تود القيادة الإيرانية تحقيقها من هذه المناورات التي تعد الأضخم والأهم في تاريخ إيران؟ وهل ثمة رسائل دولية واضحة في هذه المناورات أم إنها تقتصر على رسائل داخلية وإقليمية؟ وكيف يمكن فهم تزامن المناورات مع ازدياد أخطار الإرهاب الذي يعصف بدول المنطقة، ومع تصعيد الحرب النفطية التي تشنها السعودية بالوكالة عن واشنطن وحلفائها الذين اصطدموا بحائط مسدود، وعجزوا عن تمرير مشروعهم التفتيتي في المنطقة بعد ارتطام الرأس القاطر بالصمود السوري المدعوم إيرانياً وروسياً؟ كثيرة هي التساؤلات المشروعة التي تطرحها المناورات العسكرية الإيرانية، وأكثر منها الأجوبة المتعددة والمحتملة لكل سؤال، ونظرا لاستحالة تقديم صورة واضحة عن هذا الأمر في مقال صحفي سأكتفي بالإشارة إلى عدد من النقاط التي يمكن أن تحمل في طياتها ملامح بعض الإجابات على تلك التساؤلات، ومنها: اشتراك مختلف صنوف الأسلحة البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي يحمل طابعا استراتيجياً عنوانه : أية مواجهة محتملة ستكون شاملة وتتطلب استخدام كل القدرات العسكرية المتاحة لردع أي عدوان على إيران، ولمنع أي تطاول على حقوقها ومصالحها القومية العليا. مسرح العمليات الذي يمتد على مساحة واسعة تتجاوز المليونين ومئتي ألف كيلو متر مربع، والقدرة على نقل القوات وإقامة مقرات للقيادة والسيطرة من جنوب شرق إيران إلى جنوبها الغربي، أي على كامل المنطقة الممتدة من مضيق هرمز وسواحل مكران إلى بحر عمان وشمال المحيط الهندي وامتداداً إلى الجنوب من خليج عدن، والجيش الذي يستطيع تأمين منطقة بهذه المساحة وخوض أعمال قتالية تتطلب تنسيقاً عاليا وتنظيما للتعاون بين مختلف صنوف الأسلحة هو جيش يرغم أصحاب الرؤوس الحامية على إعادة الحسابات أكثر من مرة قبل التفكير في أي مغامرة أو مقامرة غير محسوبة النتائج. أنواع الأسلحة الجديدة التي تم الإعلان عنها في الأيام الثلاثة الأولى من المناورات تؤكد توطين الصناعة الحربية الثقيلة في إيران، أي أن إيران التي تعاني من حصار خانق منذ خمسة وثلاثين عاماً استطاعت أن تحول التحدي إلى فرصة وأن تتحول من دولة تعتمد على السلاح الأمريكي بالمطلق إلى دولة منتجة لأحدث تقنيات الأسلحة الثقيلة / دبابات ـ مدفعية بأنواعها المتعددة ـ صواريخ أرض أرض ـ أرض جو ـ أرض بحر ـ جو أرض ـ جو جو ـ جو بحر... / إضافة إلى أحدث مضادات الدروع القادرة على اختراق وتدمير كل أنواع المدرعات، وفوق هذا وذاك امتلاك التقنيات الالكترونية، وتصنيع الطائرات المسيرة وغير المسيرة وكل ما له علاقة بخوض الحروب الحديثة، ودولة تنتج ما تحتاجه من أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة هي دولة قادرة على خوض حرب طويلة الأمد، فهل من يهدد إيران وبقية أقطاب المقاومة قادر على تحمل تداعيات الانخراط المباشر في حرب طويلة الأمد؟ حملت المناورات اسم الرسول الأعظم محمد(ص) ، ولهذا دلالات بالغة الأهمية، وبخاصة في هذا الوقت الذي يتم العمل فيه على تشويه الإسلام وربط القتل والاغتصاب وتقطيع الأوصال وثقافة السواطير والذبح بالدين الحنيف والدين منه براء، وكأن هذه المناورات تحت اسم الرسول الأعظم تقول للجميع: إن الإسلام دين علم وحضارة ورقي وقدرة على الإبداع وتحويل التحدي إلى فرصة وليس دين التكفير والتقتيل والخراب والدمار والإرهاب والترويع، وعلى من يود مكافحة الإرهاب بحق التنسيق مع من يكافح هذا الإرهاب الممنهج منذ سنوات، وبخاصة أن الإرهاب خطر يهدد الجميع دونما استثناء. لعل الجانب الأبرز ـ وقد يكون الوحيدـ الذي حمل طابعا هجومياً في هذه المناورات هو عمليات الإنزال خلف خطوط العدو المفترض والطائرات الانتحارية القادرة على توجيه صواريخها إلى أهداف محددة تبعد عشرات الكيلو مترات، وهنا لابد من التذكير بأن الإرهاب الذي عصف بدول المنطقة يأخذ أشكالا متعددة، وأثبت أنه قادر على اختراق الحدود، وقد يأتي بطرق متعددة براً أو بحراً أو جوا، وعمليات القرصنة في مياه المحيطات غدت ظاهرة لا أحد يستطيع إنكارها، كما أن تهريب السلاح والمسلحين عبر البواخر أصبح من الحقائق الثابتة التي أفرزتها هذه الحرب التي فرضت على دول المنطقة، وفي المناورات الإيرانية رسالة واضحة تتضمن ضرورة تنسيق الجهود والتعاون في مواجهة الإرهاب ومكافحته، بدلا من تشكيل تحالفات بذريعة مكافحة الإرهاب في العلن ودعمه في السر، إذ لم يعد بإمكان أحد الاختباء وراء إصبعه، أو تغطية الشمس بغربال. الأهداف المعلنة من المناورات تتضمن رسالة سلام وتعاون مع جميع الدول المنطقة ودعوة جادة لتنسيق الجهود بما يخدم مصالح شعوب المنطقة بعيداً عن التدخل الأجنبي، ولا أظن عاقلا في الكون يقتنع بأن إقامة أكبر القواعد العسكرية الأمريكية على أراضي دول المنطقة هو بهدف الدفاع عن هذه الدول، في حين يتسابق المسؤولون الأمريكيون جمهوريين كانوا أو ديمقراطيين على التبجح بأن ما يهمهم من المنطقة أمران أساسيان: أمن الكيان الصهيوني وتدفق النفط من المنبع إلى المصب بما يخدم المصالح الأمريكية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تخفيض أسعار النفط إلى ما دون الستين دولاراً يخدم مصالح دول الخليج أو دول المنطقة، وماذا يعني أن يوجه صقور الإدارة الأمريكية كجون ماكين وغيره الشكر للسعودية التي قدمت لهم بتخفيض أسعار النفط ما كانوا يعجزون عنه من أوراق ضغط على روسيا وإيران وفنزويلا؟ ولا شك أن في هذه المناورات رسالة أكثر من واضحة، فعندما تتعرض المصالح العليا لإيران وأمنها القومي للخطر فعلى من يشكل هذا الخطر أن يدرك أن المنطقة برمتها تحت مرمى الأسلحة المصنعة إيرانياً إذا فكر أحد ما بالعربدة خارج الخطوط الحمراء، ولعل هذه الرسالة قد ألزمت نتنياهو وغيره على وضع الذيل بين الأرجل وابتلاع مرارة العجز وغصة الانتقام غير المتاح وغير الممكن. باختصار شديد يمكن القول : إن المناورات العسكرية الإيرانية بقدر ما تحمل من رسائل القدرة على إيلام من يفكر بإيلام إيران، فإنها بالقدر ذاته تتضمن رسائل سلام ودعوة لتواصل خلاق وتعاون بين دول المنطقة بعيدا عن التدخلات الخارجية، فضلاً عن الرسائل الداخلية لطمأنة المواطن الإيراني أن دولته قوية وقادرة على حماية مصالحها، ولديها بيئة مثالية للاستثمار، لأن الاستثمار يستظل دوما بفيء القدرة على تأمين الاستقرار، وفي الوقت نفسه هي رسالة للداخل والخارج المراهن على إمكانية العبث بأمن إيران واستقرارها، وإذا كان هناك من يحلم بنقل نار الصقيع الذي ضرب دول المنطقة إلى الداخل الإيراني فعليه أن يعيد حساباته، كما على من ارتضى أن يكون جزءاً من استهداف خارجي ضد وطنه أن يقتنع بأن لا قوة في الكون تستطيع حمايته أو تمكينه من العبث بالأمن الداخلي الإيراني، ولا ننسى أن من الرسائل القوية أيضا ما هو موجه لمجموعة خمسة زائد واحد لإنجاز ما تبقى من نقاط خلافية وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران التي لا تحتاج إلى سلاح نووي ، فما تمتلكه من قوة ردعية كفيل بضمان أمنها وأمن أصدقائها بآن معاً. |
|