تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


موسكو تستقطب

البقعة الساخنة
الاثنين 29-12-2014
علي نصر الله

تتجه الأنظار إلى موسكو على نحو غير عادي، بل ربما يكون استثنائياً، فمنذ زمن بعيد نسبياً كانت واشنطن المحرّك الدولي الفاعل، والقبلة السياسية المؤثرة والمستقطبة، فضلاً عن أنها كانت الجهة التي توجّه الأحداث،

وتحدد الاتجاهات، وتصنع المعادلات، وترسم السياسات، فهل يخلق الحضور والاستقطاب الروسي مشهداً دولياً آخر، أم أنه لن يتجاوز الحدود والهوامش التي سمحت بها واشنطن؟.‏

القراءة الواقعية والموضوعية لمسرح الأحداث الدولي، ربما تستبعد نهائياً فرضية (الحدود والهوامش التي تسمح أو لا تسمح واشنطن بها لموسكو) ذلك أن تحرّك روسيا في غير اتجاه، وحضورها في كل الملفات، وتأثيرها على جميع الجبهات، هو صعود حقيقي منظور وملموس، له أسبابه ومقوماته، وله عناصر قوة يستند عليها، صنعتها موسكو بثقة، وتعاظمت على هذا النحو لأن يداً خبيرة كانت تُحسن الإدارة والاستثمار ومتابعة النتائج على مدار الساعة.‏

ولو توقف الأمر على واشنطن لكانت شطبت موسكو، وما كانت سمحت لها حتى بالتحرك في المجال المسلّم به دولياً أنه مجالها الحيوي، ولكانت وضعت بالتنفيذ كل مخططاتها الامبريالية التي لن تدع ولن تبقي للآخر مكاناً ولا دوراً، وبالتالي فإن الاستقطاب الروسي هو إنجاز انتزعته موسكو انتزاعاً من خصومها الدوليين (أميركا والقارة العجوز)، وهو حضور دولي مؤثر لا شكّ سيسهم في خلق مشهد عالمي جديد كل الجِدّة، لا يلغي أميركا، لكنه يُقلص مساحة ملعبها، ويرغمها على تقبل مناخات سياسية دولية جديدة، ويلزمها بتغيير أنماط التعاطي مع القضايا المطروحة على الساحتين الإقليمية والدولية.‏

ولعلّ أهم تجليات الحضور الدولي الروسي تظهر وتتبدى في منطقتنا، ذلك أنه إذا كان صحيحاً أن المفاوضات النووية الإيرانية خطت خطوات مهمة على طريق الحل، فإن الصحيح أيضاً أنها ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لولا صلابة موقف إيران، ولولا الدور والموقف الروسي الذي لعبته ووقفته موسكو في مواجهة واشنطن وإلى جانب طهران، وإذا كان صحيحاً تشكيك البعض بجدوى المؤتمر المزمع عقده في موسكو من أنه لن ينجح بإيجاد حلّ سياسي نهائي للأزمة في سورية، فإن الصحيح أيضاً أنه، كمسار سياسي يستند إلى الصمود الأسطوري السوري في مواجهة الإرهاب والعدوان، سيفتح بلا أدنى شكّ ثغرة مهمة في جدار العدوان الكوني الذي تقوده أميركا ضد سورية.‏

أوكرانيا، الدرع الصاروخية، تمدد الناتو، سوق النفط والغاز وخطوطهما، كرات نار تشعلها أميركا وتقذفها بوجه روسيا سعياً لإشغالها وإضعافها ومحاصرتها، فما النتائج حتى الآن؟ هل جعلت روسيا تتقدم أم وضعت أميركا أمام خيار التراجع والانكفاء والتسليم بقبول الندية معها؟ وهل تساعد روسيا على البروز كقطب دولي يستقطب أم تدفع أميركا - مرغمة - إلى تقبل الأمر الواقع وضرورة التخلي عن الأحادية؟.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية