تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فؤاد نعيم عاشق البازلت ومروضه...ينحـــــت بواقعيــــــــة شــــــــديدة الحيويـــــــــــــة والوضــــــوح..

ثقافة
الثلاثاء30-12-2014
أديب مخزوم

يطرح الفنان النحات فؤاد نعيم في منحوتاته البازلتية، التي يقدمها منذ سنوات طويلة، جمالية الأسلوب الواقعي، الذي أعطى أعماله قدرة التنويع في تجسيد حركات الاجساد والوجوه المختلفة، مبرزاً قدراته التقنية والتأليفية العالية، في خطوات الوصول إلى واقعية تحقق عناصر الدهشة والاقناع.

واقعية سحرية‏‏

فهو يرفض وبشدة اتجاهات النحت التجريدي والبدائي والفطري، في تركيزه على مبدأ النحت بلمسات مدروسة وهادئة، تعطي أولوية لتقنية النحت الواقعي،وقد يحقق عودة الى بعض مظاهر النحت الكلاسيكي. على الرغم من اتجاهه في معظم أعماله،‏

لتأكيد مظاهر النحت الواقعي الدقيق، ومع ذلك فهو يعمل في أسلوبه للتحرر، من أجواء لوحات الفنانين القدامى، من خلال جنوحه في أسلوبه نحو ترك كتل تجريدية على أطراف المنحوتة، مازجاً ما بين الحركة العفوية المعبرة عن تداعيات معطيات الانفعال الداخلي، وإبراز جاذبية إيماءات المقاطع الواقعية الدقيقة. كل ذلك في خطوات الوصول إلى المدى الذي ترتاح إليه العين. فالاستراحة هنا هي استسلام لهذه التداعيات البانورامية المتتابعة في النحت الذي يصل الى حدود الواقعية السحرية.‏‏

هكذا يساهم في أعماله بإعادة الاعتبار الى الاتجاه الواقعي، ويقوم بترويض وتكييف وتوليف أشكال الواقع، متبعاً تجليات الحركات البصرية الموجودة في الواقع، لا من أجل مسايرة الاداء الاكاديمي الرصين فحسب، وانما من أجل تعميق الشعور بتموجات الحالة الداخلية، التي تترك اثرها الواضح على سطوح منحوتاته.‏‏

وهذا يعني أن مخيلته، تضج بالرموز والعناصر الواقعية، التي يعمل من خلالها لمواجهة العبث والاستسهال التشكيلي الموجود في أعمال الدخلاء والمتطفلين، ويلزم نفسه بصياغة تقنية وجمالية، لجهة اهتمامه بإبراز التفاصيل الصغيرة والدقيقة.‏‏

ولهذا فهو يرتبط بالثقافة العصرية، ضمن منهجية نظامية صارمة أو بإرادة بعيدة عن الانفعالات والعواطف العنيفة والمظاهر النحتية الصادمة، وهذا ما يجعلنا نشعر وكأننا أمام منحوتات منفذة بتقنية النحت الكلاسيكي والواقعي. حيث يرتبط بفن عقلاني موزون ومدروس ومنفذ بدقة متناهية بعيدة عن أجواء الصياغة الفنية الحديثة والمتحررة.‏‏

وعندما نقول كلاسيكي وواقعي يكون في حسابنا أنه في توليفه للوجوه والاجساد، لايبقى عند ضفاف الصورة الواقعية، وإنما يتجاوزها نحو دلالات جمالية وتعبيرية، مفتوحة على بعض تيارات الواقعية الجديدة في القرن العشرين. وعلى هذا يتجاوز الأساليب التقليدية، رغم استعادته لتقنيات الرسم الكلاسيكي والواقعي، فالتقنية ليست سوى وسيلة لإخراج المنحوتة، أما الأسلوب فهو الرؤية الجديدة التي تعطي الفنان خصوصية واستقلالية.‏‏

وفي هذا الإطار يمكن القول:إن لفؤاد نعيم طريقته الخاصة في توليف الأشكال وفي وضع الضربات أو اللمسات. وهكذا يتجه نظرنا للإحساس بأسلوبية خاصة في المعالجة التكوينية والتقنية. فهو على الصعيد التقني يميل في أحيان كثيرة لإبراز السطوح الناعمة، وهذا لا يمنع من اتجاهه في أحيان أخرى لإظهار إيقاعات النقش الحديث، مما يزيد من إيقاعية الحوار الانفعالي، ويفسح المجال لرؤية المنحوتة منفذة بحساسيات مختلفة ومتفاوتة.‏‏

هكذا يتعامل فؤاد نعيم مع أصلب المواد، ليصل إلى إغراءات لونها الطبيعي كمنطلق لبلورة أشكاله النحتية، وما تعكسه الإيقاعات الجمالية التي تسكن قلب الكتلة الحجرية القاسية.‏‏

وأعماله تجمعها سمة واحدة، هي المتانة أو التقنية العالية، وهذا يجعله يتعامل مع الكتلة الحجرية بمهارة وعقلانية.‏‏

تشريح مثالي‏‏

وعلى الرغم من إلمامه الواضح بكافة تفاصيل التشريح الجمالي، فهو يعطي أهمية قصوى لتعابير وانفعالات حالته الداخلية، التي تترك أثراً واضحاً على منحوتاته، من خلال اعتماد الضربة العفوية أحياناً، وترك أقساماً غير منحوتة من الحجر البازلتي الخام، تتخللها ضربات إزميل عفوية تكشف هواجسه الجمالية الحديثة، وانحيازه الواضح لإضفاء العفوية والتلقائية في مناخها التعبيري الحديث.‏‏

وفي غالبية الأعمال نقع على لغة حوارية بين أجساد أنثوية تبوح ولاتبوح، فهي عارية من دون أن يعني ذلك أنها تتجه إلى إظهار إباحية الجسد، فهو يأخذنا إلى حالات تعبيرية وجمالية وفنية تجعلنا نشعر بنقلة إنسانية ممتلئة إحساساً وعاطفة وموهبة وطموحاً.‏‏

نحن هنا أمام حركات الجسد الأنثوي العاري، وتجلياته وانكشافاته وإيقاعاته التي لا تنتهي، وهو حين يعمد إلى تقديم الجسد بسطوح بازلتية على قدر من الخشونة والعفوية، في الوقت الذي يذهب فيه إلى تقديمه بسطوح أقل خشونة وأكثر عقلانية، وهذا يعني تحرراً من المعطيات التقنية الثابته، ويعني أيضاً اختباراً وبحثاً عن الاحتمالات الأقوى وترداداً لصدى الإيقاعات التي تولدها ضربات الأزميل فوق السطوح البازلتية المتنوعة.‏‏

وعلى الرغم من افتتانه أو اهتمامه بمفاتن الجسد وجمال الوجه، وهذا ما نلاحظه في اهتمامه الواضح بإظهار تشريحاً صحيحاً لهذا الجسد أو الوجه، ويتعزز هذا الرأي كلما نظرنا إلى لمساته التعبيرية العفوية، لاسيما الضربات التي تترك أثرها المباشر على الأقسام غير المنحوتة من الكتلة الحجرية.‏‏

هوية جغرافية‏‏

أن الدهشة التي تصيبنا أثناء التجوال بين منحوتات فؤاد تنبع من تلك اللياقة والمهارة والعفوية التي تتمتع بها أعماله، فهو يبرز براعة في السيطرة على حركات متزايدة الصعوبة، وتتمثل في معالجة عضلات وتقاسيم وتفاصيل حركة الجسد والوجه معاً.‏‏

وهو يصر على تقديم هوية محلية للمنحوتة، من خلال إدخال بعض الإشارات التاريخية التي لها ارتباطاتها بجذور مدينته السويداء، كما أنه وقبل أي شيء أخر يصر على تقديم هوية جغرافية للكتلة من خلال اعتماده في مجمل منحوتاته على الحجر البازلتي، الذي ينتمي إلى طبيعة الصخور السوداء أو الرمادية المائلة للازرقاق والتي تعرفها المنطقة الجنوبية في سورية.‏‏

وهو أيضاً يبتعد كل البعد عن كل تيار غربي متطرف، إذ يتفاعل مع منحوتته بحرية وبعقلانية وبعفوية فيها من الالتفاف والإغناء والتموج ما يجذب العاطفة والتوتر الهادئ، الذي يأخذنا في أحيان كثيرة إلى بعض التعبيرية، لذا تبدو منحوتاته الفراغية أكثر توازناً بين الواقعية الخارجية وبين التعبيرية الداخلية، بين الحداثة الواقعية وبين الاهتمام بالجمالية الأكاديمية.‏‏

facebook.com/adib.makhzoum‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية