|
شؤون ثقا فية ولهذا فلا غرابة ان نجد في الحضارات القديمة, وخاصة الحضارات الشرقية, تماثيل اول لوحات تدل على حب الجمال, وكذلك نصوصا نثرية او قصائد شعرية تدل على الامر نفسه وهكذا ظهر في الحضارات الفرعونية والفينيقية والبابلية والآرامية تماثيل ولوحات فنية ونصوص ومقطوعات شعرية على منتهى الاتقان في تقديس الجمال, ولا تقل روعة وجمالا عن النصوص الموجودة في الآداب المعاصرة. وهذه النصوص ليست كلها من ابداع الرجال. بل ان بعضها من نظم شاعرات خلدهن التاريخ منذ أقدم العصور مثل (بيتوحا) المصرية, و(غفات الاوغاريتية, و(سأفو) الاغريقية, و(ايرينا ) الهيلينستية, والغريب في الامر ان بعض هؤلاء كن أكثر جرأة في عرض مشاعرهن من أغلب شاعرات العصور الحديثة, الى حد ان بعضهن -مثل الشاعر الاغريقية (بيلييس) على سبيل الذكر لا الحصر - قد لامسن النماذج الايروتيكية في بعض قصائدهن. ونسوق في هذا المقال قصيدة لواحدة منهم وهي الشاعرة المصرية القديمة (بيتوحا) التي عاشت قبل أيامنا هذه بأكثر من أربعة آلاف سنة. وتبدأ قصة هذه القصيدة عندما عثر عالم الآثار الألماني المعروف ( شبيجلبرج) في متحف الآثار القديمة بالقاهرة على قصيدة شعرية مرقومة على قطعة من الفخار باللغة الهيرو غليفية, فقام بفك رموزها ثم نشر ترجمتها بالألمانية في مطلع القرن العشرين , تحت عنوان ( أحلام عاشقة). وفي عام 1938 قام الأديب المصري المعروف ابراهيم المصري بترجمة هذا النص نثرا الى العربية تحت عنوان »تمنيات عاشقة) وقد نشره في كتابه الموسوم : » مختارات عالمية من الشعر الغرامي) , وكانت الترجمة ضمن الصيغة التالية: (آه يا أخي)»1) يا للعذوبة التي أجدها إذ أهبط النهر معك. وأستحم فيه أمامك! إني لأود أن أكشف لك عن محاسني كلها . عندما أكون في النهر. »لا) تستر بدني (إلا) غلالة رقيقة يبللها الماء! أود أن أهبط الى الماء معك وأخرج من الماء معك , حاملة سمكة حمراء تبدو رائعة الجمال وهي بين أصابعي, فتقول : (تعال وانظر الي)»2) وكان ان قرأ الشاعر المصري المبدع علي محمود طه , نص هذه الترجمة, فأخذه وصاغه شعراً في عام .1944 على الشكل التالي: 1-كان العشاق في مصر القديمة ينادون حبيباتهم باسم »الاخت), والعاشقات ينادين أحبابهن باسم »الأخ) . 2-ابراهيم المصري: »مختارات عالمية من الشعر الغرامي). »يا للسعادة يا حبيبي حين أهبط للنهر) كي أستحم , وأنت تمعن في مفاتني النظر أشتاق ان اجلو أمامك - يا حبيب - محاسني بغلالة مبتلة كشفت جميع مفاتني أهوى الى الماء الهبوط, وأشتهي ان أتبعك وأشد ما أهواه منه, صعودنا وأنا معك بيدي من سمكاته حمراء رائعة الجمال فتقول لي أنظر إليك , تعال وانظر لي تعالى»3) وخلال رحلتنا الأخيرة الى كندا وامريكا قبل سنة ونيف عثرنا في محفوظات المكتبة العامة لمدينة مونتريال على النص الفرنسي لهذه القطعة بوسعنا ان ننشره في المستقبل في مكان آخر. كما عثرنا في المكتبة نفسها على قصيدة ثانية لهذه الشاعرة المصرية القديمة »4) وقد ترجمناه الى العربية ضمن الصيغة التالية: »أنا حبيبتك الأولى انظر فأنا كما البستان الذي زرعت فيه الازاهير 3-علي محمود طه: »الشوق العائد) -دار احياء الكتب -العربية-القاهرة 1945 4-هذه القصيدة دون عنوان : وكل الاعشاب الطيبة الرائحة كم هو جميل حوضه الذي حفرته أمس بيديك عند طراوة ريح الشمال! وكم هو جميل المكان الذي تغمره فيه عندما تقنع يدك على يدي يرتعش بدني بالسرور ويسعد قلبي! دعنا نمشي سوياً إنه لترياق سكر ان اسمع صوتك فأنا أحيا بهذا الصوت ! عندما أنظر اليك فإن كل نظرة تكون لي أفضل من أي طعام أو شراب وبعد ذكر هذه النصوص لشاعرة قديمة عاشت في أرض مصر قبل أكثر من 4000 سنة, لا يسعنا إلا ان نتساءل : ترى أليس من الواجب جمع كل هذه القصائد تحت »أونطولوجيا) واحدة باللغة العربية بعد ان ظهرت بمختلف اللغات الاجنبية?! |
|