|
شؤون سياسية كما أنها لا تعبر عن رغباتها الذاتية أو مكنونات نفسها, لكنها وجدت تلك الحواجز واقعاً مفروضاً وتعبيراً ملزماً لوطنية لا تتناقض في إطارها العام مع انتمائها القومي, ولو أدى ذلك في مواقع معينة إلى تباين في المصالح وتناقض في التوجه يتولد عنها خلافات متنوعة, وهذا على الرغم من كونه ليس وليد الساعة, لكنه في هذه الرحلة بالذات يشكل مخاوف شعبية كبيرة لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها, كما أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها المستقبل العربي برمته إلى مثل تلك الهزات التي تلوح في الأفق تحت تسميات وعناوين ظاهرها شيء وباطنها عكسه, وقد أثبتت التجارب أنه في كل مرة يكبر فيها الخطر وتتعاظم المصاعب, يكون لمُّ الشمل العربي تحت مظلة مؤتمر القمة العربية- الذي أصبح مؤسسة قائمة بحد ذاتها- الوسيلة الأفضل لوقف أي انهيار في منظومة العمل السياسي العربي, وكان النجاح يطغى على الفشل في أغلب الأحيان وخاصة بعد أن تمسك جميع القادة العرب بدورية القمة من باب الحفاظ على أهم إنجاز استطاعوا تحقيقه في هذا المجال. في هذه الآونة تتسارع الأحداث, وتقترب الأخطار من الجميع دون استثناء ولو اختلف سلَّم الأولويات, لذلك نجد أنه تولدت القناعة بأن الحل يجب أن يكون عربيا بامتياز. على أهل البيت العربي ألا يفقدوا الوسيلة المناسبة للقاء فيما بينهم بعد أن أصبحت تلك الوسيلة بمتناول اليد واتخذ مؤتمر القمة صفة الدورية التي تعطيه المشروعية في ترجمة القرارات إلى أفعال, وهو المكان الأكثر صلاحية لوضع كل ما بجعبة العرب من خلافات ومشكلات على طاولة الحوار بقلوب مؤمنة بالله أولاً وملتزمة بمصالح الشعوب التي أولتها أمرها ثانياً, وهذا ما يؤكد أن مؤتمر القمة العربية مسؤولية قومية وأمانة لحقوق شعبية لا يجوز تجاهلها مهما كانت الظروف والأوضاع, وبالقدر الذي تصل إليه المناقشات من شفافية وصدق, تغتسل القلوب وتُصفى النوايا وتؤهل لبناء المستقبل العربي المنشود بشكل متناسق ومنسجم مع تطلعات الجماهير العربية التي تحمل الكثير من المخاوف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية, ما يجعل آذانها وعيونها متوجهة إلى مؤتمر العرب, وهي تنتظر قرارات مختلفة كلياً عن الشكليات التي اعتادت أن تراها في مراحل سابقة. قد تكون الأزمة اللبنانية في مقدمة الاهتمام لدى البعض, وهذا أمر طبيعي ورؤية موضوعية تجاه بلد عربي عانى كثيراً من التفكك والتناقض فيما بينه, ومن المنطقي أن يصل إلى بر الأمان, لكن السؤال المهم: من الجهة التي تعطل نجاح المبادرات في هذا البلد وفي مقدمتها المبادرة العربية, ومن يخلق الأزمات تلو الأزمات? أوليست أميركا وحلفاؤها هم من يرفض المبادرات الأخوية والصديقة ويتعامى عن المصالح الوطنية التي يبحث عنها كل لبناني? وهل يوجد مكان أفضل من مؤتمر القمة لاتخاذ القرار المناسب لمواجهة الأيادي الأميركية التي تعمد التخريب العلني في هذا البلد? لكن الأمر الذي يؤكده جميع العرب ويتمسكون به: هو أن القضية الفلسطينية لم تزل هي قضية العرب الأولى, والصراع العربي الصهيوني ما زال يحتل أولوية عند الجميع لما له من تبعات تدميرية لمنظومة الأمن القومي العربي في حال تم التساهل في مواجهته ولا سيما بعد الفشل الذريع لكل المبادرات العربية والتنازلات الكثيرة التي قدمها العرب لتجاوز حالة الحرب, وأطلقوا شعار السلام خياراً استراتيجياً, لكن (إسرائيل) وبدعم مباشر من الإدارات المتعاقبة وخاصة إدارة الرئيس بوش وأدت كل المبادرات ودفنتها في مكانها وهي تدير ظهرها لكل هذه المبادرات والشعارات, وهي تستمر في الأعمال العدوانية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وتمارس عليه كل أشكال العزل والتجويع, إضافة إلى ممارسة الإرهاب المنظم أمام أعين العالم أجمع, فهي تغتال القيادات وتقصف البيوت وتدمرها على رؤوس أصحابها من الأطفال والنساء والشيوخ, وتغلق الحدود في وجه الجرحى وتتمسك باحتلال الأرض بما يخالف كل القوانين والشرائع الدولية. مؤتمر العرب في مكانه وزمانه مؤهل لإنقاذ ما تبقى من حقوق عربية تُنتهك يومياً في فلسطين والعراق والسودان والصومال ولبنان, وكلها ملفات هامة, في مواجهة عدو واحد مشترك يمثله المشروع الصهيو- أميركي الذي يهدف إلى خلق كيانات قزمة هشة لا تقوى على الحياة, وأي تشكيك في قدرات العرب في المواجهة هو انهزامية غير مبررة. Email:m.a.mustafa@mail.sy |
|