|
شؤون سياسية خاصة في عهد الإدارة الحالية للهيمنة على العالم. لقد أدى تفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار منظومة الدول الاشتراكية السابقة إلى إحداث خلل خطير في التوازن الدولي, وخلال العقدين السابقين شهدنا كوارث عالمية جاءت مباشرة بعد انهيار النظام الثنائي القطبية وبروز القطب الواحد من خلال الهيمنة الأميركية على النظام الدولي, ما شكل أكبر خطر يهدد السلام العالمي. إن السنوات الماضية وخاصة غزو العراق رغم أنف الشرعية الدولية, وما أدى إلى خراب ودمار وقتل .وقتئذ ظنت الولايات المتحدة أنه بقوتها العسكرية والاقتصادية وتفردها كقطب أوحد تستطيع التحكم بمصير البشرية, وساعدها في هذا التصور الخاطئ ما شهدته روسيا من انهيار سياسي واقتصادي واجتماعي كاد يقضي على الكيان الروسي نفسه,وهكذا استغلت واشنطن ضعف روسيا آنذاك, فاستقطبت الدول الاشتراكية السابقة إلى حلف شمال الأطلسي, وبدأت باستقطاب الدول التي شكلت يوماً الاتحاد السوفييتي, وبهذا بدأت أميركا بمحاصرة روسيا كي لا تنهض ويشتد خطرها المستقبلي على الولايات المتحدة, وهكذا بدأت بمشروع نشر نظام الدرع الصاروخية في الدول المحيطة بروسيا رغم اعتراضات موسكو ,وكلنا نعلم أنه مع مجيء فلاديمير بوتين إلى السلطة بكل ما يمثله من عودة الروح الروسية, بدأت الأوضاع تتغيرففي عهده اتجه الروس نحو الإصلاح الاقتصادي, وبسرعة قياسية تعافى المجتمع الروسي من المافيات الاقتصادية والسياسية والإجرامية, وازدادت قوة روسيا العسكرية, وتخلصت من التأثيرات الغربية والضغوطات الهائلة عليها, وساعدها في ذلك قوة الروح الوطنية والارتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز والذي تملك منه الكثير. اليوم أتت اللحظة المناسبة لترد موسكو الصاع صاعين إلى الولايات المتحدة, فقيام جورجيا بدعم أميركي وتسليح إسرائيلي بشن هجوم عنيف في محاولة لضم اقليم أوسيتيا الجنوبية بالعنف والقوة المسلحة قوبل برد روسي كاسح, واتضح معه أن أميركا عاجزة فعلياً عن مساعدة جورجيا إلا بالكلام الصادر عن المسؤولين الأميركيين وبالجسر الجوي للمساعدة اللوجيستية , أما في الواقع فقد تحققت كلمات هنري كيسينجر وهو وزير خارجية أميركي أسبق بقوله: »لا تقدم الدول العظمى على الانتحار العسكري والسياسي من أجل حلفائها «. أحداث القوقاز تثبت أننا أمام بروز قوة روسية يحسب لها ألف حساب, لكن هل يعني ذلك العودة إلى الحرب الباردة بثوب جديد? ربما لا ولكن بالتأكيد نحن أمام لوحة جديدة ترسم ملامح مرحلة مهمة في النظام الدولي, إنها مرحلة تحمل إرهاصات الانحسار التدريجي للهيمنة الأميركية »وتفردها بقيادة العالم« و عودة روسيا القوية إلى المسرح الدولي من جديد من خلال ردة فعلها على الهجوم الجورجي واستخدامها الفعال للأسلحة البرية والجوية والبحرية ,تنبي لكل ذي بصر وبصيرة أن عهد الاستفراد الأميركي قد ولى إلى غير رجعة, وأننا أما مشهد جديد يمر بطريقة تدريجية ومعقدة وبمرحلة انتقالية نحو إعادة التوازن إلى النظام الدولي من خلال ظهور قوى جديدة تقارع المشروع الإمبراطوري الأميركي, هذه الحقبة الجديدة بدأت تثأر لعصر ما بعد الحرب الباردة الذي أعقب انهيار الاتحاد السوفييتي, فقد شهدت المرحلة الماضية ارتكابات فظة وخطيرة قادتها السياسة الأميركية الرعناء ضد دول وشعوب كثيرة في العالم ولم يسلم من هذه السياسة حتى أقرب حلفاء أميركا من الأوروبيين ,فخلال السنوات الماضية أظهرت واشنطن احتقارها للمواثيق والمعاهدات الدولية بدءاً من اتفاقية كيوتو للمناخ ومروراً بمعاهدة الحد من انتشار الصواريخ, وانتهاء بالأمم المتحدة ومجلس الأمن, فغزت العراق رغم اعتراض روسيا والصين وفرنسا ودمرت بلداً بكامله, وكانت قد غزت أفغانستان بحجة »محاربة الإرهاب« رداً على أحداث الحادي عشر من أيلول ,2001 ولم تكتف واشنطن بذلك بل سعت بشكل حثيث لحصار روسيا وضم الدول التي انفصلت عنها إلى الحظيرة الأطلسية, وحاولت زعزعة استقرار الصين وباسم محاولات »نشر الحرية والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان« تدخلت بفظاظة في شؤون الدول والشعوب الأخرى , كما أنها جوعت البشر من خلال شركاتها العملاقة التي تعبث بالغذاء وأسعاره وكذلك بالنفط وأسعاره أيضاً,لكن ساعة الحقيقة قد أزفت وليس بمقدور إدارة بوش التي تدنت شعبيتها داخل أميركا إلى حدود غير مسبوقة, وتساقط جنودها في العراق بشكل كبير جراء المقاومة العراقية وبعد تغير اتجاهات الجمهور الأميركي نقول: ليس بمقدور هذه الإدارة الفاشلة من ممارسة الهيمنة المطلقة على العالم بعد اليوم, لقد برهنت أحداث القوقاز وكما يؤكد الكاتب والمحلل السياسي وليام فاف أنه إذا غامرت بمهاجمة روسيا فلا يخدعك أحد أن الولايات المتحدة أو حلف الناتو سيهبون لنجدتك, سواء أكانت هذه الخدعة صادرة عن المعاهد الأميركية الداعية إلى نشر ما يسمونه الحرية والديمقراطية حول العالم , أم من مؤسسات البحث العلمي التابعة »للمحافظين الجدد« أم صدرت عن كبار كتاب الأعمدة الصحفية والمعلقين التلفزيونيين الأميركيين ,أما الضمانات والتهديدات التي يطلقها المسؤولون الأميركيون فهم يعلمون تماماً أنهم لا يستطيعون الوفاء بها.إن روسيا تؤكد اليوم أنها تقف بندّية للولايات المتحدة ومحاولاتها الاستفراد والهيمنة , وإن سمات عصر دولي جديد ترتسم في الأفق ملامحه الرئيسية -عودة التوازن الدولي وانتهاء مرحلة أحادية القطبية ومحاولات الهيمنة. |
|