تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أحياء بالمصادفة

ملحق ثقافي
25/3/2008م
نزيه أبو عفش

مشينا الحياة كلّها

وبقينا أحياءْ‏

على أرضٍ مريضةٍ وواطئة‏

لا شيء يعلو فيها‏

غير المقاصلِ والعويلِ ودخان أرواح الموتى‏

بقينا أحياءْ.‏

تألّمنا،وضجِرْنا،وأحببنا،وتَحايَلنا على مشيئةِ القدر،وقامرنا بما ليس في اليد،وندمنا على‏

خطايا الجمال،وتَقوَّست أرواحُنا من شدّةِ الحماقةِ أو..من فداحة اليأسْ....‏

وبقينا أحياءْ.‏

أحياناً،بكرَمِ اللصوصْ،تركْنا الوليمةَ مفتوحةً‏

للثعالبِ والطيور وقطّاعِ طرقِ النهارْ..‏

وأحياناً جُعْنا حتى أوشكنا على تَسَوُّلِ لقمةِ زقّوم الحياةْ وحين بلَغْناها‏

أعجَزَنا عن ابتلاعها حياءُ الشحّادينْ‏

وبقينا أحياءْ‏

أحياناً،مُحْدَودِبي الأعناقِ كخدمِ الكنائس المتقاعدين،تسلَّلنا،خائفينَ وجوعى،إلى عنابرِ مؤونةِ‏

الجرذانْ وأحياناً – في أحلام هَمَجيّتِنا – باغتْنا القباطنةَ على أَسِرّةِ النعاس،وعلّقناهم بلا‏

رحمة على سوراي سفن الإغاثةْ..‏

أحياناً رضخْنا‏

وفُزْنا بالغنائم العظيمة التي‏

يتصدّق بها أمراءُ مقاطعاتِ الموتْ‏

وأحياناً قلنا "لا!..."‏

وكنا واقفينْ نرتجفُ من الشجاعةْ‏

على الدرجاتِ الأخيرة لسلالمِ الأبديةْ‏

أحياناً (هكذا....) صَفَعنا ضميرَ الأرضِ بنعالِ الأحذيةْ‏

وأحياناً رفعْنا أكفّنا المتضرعةَ إلى حرّاسِ باديةِ السماواتْ..نتسوّلُ،دونما أمل،عدالة‏

قاضينا:الموتْ‏

وبقينا أحياءْ‏

قطعْنا أوردةَ معاصمنا بأمواسِ الحلاقة وسكاكين المطابخْ‏

وبقينا أحياء‏

عَجَنّا رغيفَ يومِنا بحمض الجنون الهاري‏

وبقينا أحياءْ‏

متنا الحياةَ كلَّها‏

والأحلامَ كلّها‏

والجنونَ كلّهُ وكلَّهْ...‏

وبقينا أحياءْ‏

كشفْنا إحداثياتِ قلوبنا‏

لسبطانات فصيلِ الإعدامِ الكونيّ،‏

لكنْ،على الدوامْ،وربما بالمصادفةِ المحضةْ،‏

كانت حساباتُ الرمْي على اللحمْ‏

أقلَّ دقّةَ من حساباتِ الرميِ على الدريئةْ‏

فبقينا أحياءْ...‏

بقينا أحياء – كما ترونْ-‏

ليس لأنّ عظامنا وقلوبنا وشرايين أعمارِنا‏

كانت مقاوِمةً لفيروسات الموتْ‏

بلْ لأنّ قنّاصي حياتِنا‏

كانوا،كعادتهم في الحروبْ،‏

يخطئون دائماً‏

في التسديد على الأهداف اليائسةْ.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية