|
دراسا ت إلا أن الحروب واللجوء إلى السلاح لحسم الخلافات بين الدول والشعوب والجماعات تظل للأسف سمة لازمة للإنسان, ما يرتب ضحايا وأوضاعا مأساوية سواء بالنسبة للمشتركين في هذه النزاعات المسلحة أم المدنيين من الجانبين. ولهذا السبب كان إنشاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر قبل نحو قرن ونصف القرن محاولة جسورة لتخفيف معاناة هؤلاء الضحايا وتثبيت مبدأ أنه حتى أثناء الحرب لابد من مراعاة مبادىء أساسية تحافظ على قيمة الإنسان وحقوقه, وهي مبادىء أقرتها جميع الأمم لاحقا فيما عرف باتفاقيات جنيف والاتفاقيات الملحقة بها. وقد جاء لقاء (الثورة) مع السيد جان جاك فريزار ممثل بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي في دمشق لتسليط الضوء على أبرز أنشطة هذه المنظمة الإنسانية داخل سورية وفي المنطقة. وكان السيد فريزار حريصا أشد الحرص في مجمل حديثه على إبراز الطابع الإنساني المحض لمنظمة الصليب الأحمر وابتعادها عن أي صبغة سياسية أو دينية أو إقليمية ملمحا إلى سوء الفهم الذي طالما رافق أنشطة المنظمة خلال عملها في بعض مناطق العالم خاصة في بلاد إسلامية حيث يثير شعار المنظمة بعض اللبس لافتا إلى أن اختيار هذا الشعار كان مجرد لفتة وفاء لدولة سويسرا (يتطابق الشعار مع العلم السويسري) التي كان لأحد مواطنيها وهو هنري دونان الفضل الأول في إنشاء هذه المنظمة. ما هي أبرز أنشطة بعثة الصليب الأحمر في سورية? أشير بداية إلى أن أول وجود لمنظمة الصليب الأحمر في سورية كان عام 1967 خلال الحرب العربية -الإسرائيلية ذلك العام بغية تطبيق اتفاقيات جنيف وحقوق الإنسان التي وقعت عليها جميع دول العالم وخاصة حماية المدنيين والأسرى المرضى والجرحى العسكريين. وتركز اهتمام البعثة خلال ال¯ 37 عاما الماضية على مصير سكان الجولان السوري الرازحين تحت الاحتلال لضمان حقوقهم المختلفة. وأبرز الخدمات التي نقدمها في هذا السياق مساعدة الطلاب من أبناء تلك المنطقة على استكمال دراستهم في الجامعات السورية, وتسهيل عبور رجال الدين لزيارة الأماكن الدينية في سورية ,حيث سهلنا عبور 420 رجل دين العام الماضي, إضافة إلى المساعدة في إتمام عمليات الزواج على ضفتي الجولان المحتل. ونقوم بإنجاز هذه المساعدات بالتنسيق بين مكاتبنا الثلاثة في دمشق والجولان وتل أبيب. هل لكم دور في عملية بيع تفاح الجولان في سورية? نعم وقد بدأنا مباحثات مع الطرفين السوري والإسرائيلي منذ تشرين الأول الماضي ووصلنا الآن إلى مناقشة الأمور اللوجستية لإتمام العملية بالتعاون مع الأمم المتحدة وقوات الفصل الدولية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن هذا التفاح هو جولاني ينقل من أرض سورية إلى أرض سورية واتصال الصليب الأحمر مع الجانب الإسرائيلي هدفه فقط تذليل العقبات أمام إتمام هذه العملية باعتبار إسرائيل هي الدولة المحتلة لمنطقة الجولان. هل لديكم أنشطة أخرى في سورية? نعم, نعمل حاليا على تعزيز الأنشطة الوقائية لتثبيت ودعم مبادىء القانون الدولي وحقوق الإنسان من خلال إقامة دورات تدريبية لضباط رفيعي المستوى في الجيش السوري ووزارة الداخلية باعتبار سورية من الدول الموقعة على اتفاقيات القانون الإنساني. وسيتم جلب خبراء في القانون الدولي من أنحاء مختلفة من العالم للإشراف على هذه الدورات خاصة من بعثتنا في القاهرة بغية إدخال مفاهيم القانون الدولي في الجيش والشرطة. وماذا عن مناهج التربية? نقوم بالتعاون مع وزارة التربية في سورية بجهود لإدخال مفاهيم القانون الدولي إلى المناهج التربوية على امتداد مراحلها لتعريف الطلاب السوريين في مراحل مبكرة بمفاهيم القانون الإنساني ورفض العنف كنوع من العمل الوقائي. وقد أنجزنا خطوات عديدة في هذا السياق بفضل اهتمام وحماس وزارة التربية, وأستطيع القول إننا أنجزنا عمل ثلاث سنوات من أصل خمس سنوات نحتاجها لإكمال هذه العملية والتي تستهدف تدريب الموجهين الأوائل والمدرسين المختصين على تعليم مبادىء القانون الدولي الإنساني, وشكلت وزارة التربية لجنة لهذا الغرض سوف تتولى إنجاز عملية التدريب وبحث الصيغ العملية لإدخال هذه المفاهيم إلى مناهج الدراسة. كما أود أن أشير إلى أن هناك تعاوناً مع منظمة الهلال الأحمر في سورية بغية تدريب كوادره على مبادىء القانون الدولي الإنساني. وماذا عن وسائل الإعلام? نسعى في خططنا الحالية إلى زيادة نشاطنا لتوعية وسائل الإعلام بمبادىء القانون الدولي. وقد قمنا سابقا بعقد دورة تدريبية لبعض العاملين في الصحافة العربية, لكن كان لنا بعض المحاولات الجيدة على صعيد التعاون مع الأكاديميين والمختصين في القانون الدولي والإنساني. وأود أن ألفت إلى أن الحكومة السورية وافقت في حزيران الماضي على تشكيل لجنة لتطبيق مفاهيم القانون الإنساني تضم ممثلين عن أغلب قطاعات المجتمع والدولة مثل الجيش ووزارة الداخلية والتعليم العالي ومجلس الشعب وغيرها لترجمة وتطبيق المعاهدات الدولية ذات الصلة وخاصة المحكمة الجنائية الدولية. ماذا عن نشاطكم في العراق? هناك بعض العائلات السورية التي لديها محتجزون في العراق سواء في السجون الأميركية أم العراقية, ونبذل جهودا لإعادة الروابط بين هؤلاء المحتجزين وأهلهم في سورية وضمان زيارتهم وحقوقهم الأخرى. غير أن المشكلة التي نعانيها في العراق هي غياب الأمن ما أدى إلى تقليص نشاطنا بعض الشيء في هذا البلد. إلى أي مدى الصليب الأحمر مستعد للمجازفة من أجل تحقيق أهدافه.وهل ينسحب سريعا عند استشعاره بالخطر? نحن موجودون في مناطق النزاع المسلح لحماية حقوق المدنيين والعسكريين لكن الوضع في العراق مختلف عن أي منطقة أخرى حيث تحدث جرائم وعمليات خطف لا علاقة لها بالأنشطة السياسية. وكثير من المجموعات المسلحة الناشطة في هذا البلد لاتكن أي احترام لمهمة الصليب الأحمر الذي تخلط بينه وبين قوات الاحتلال أو كأنه تابع للغرب والقوى الامبريالية..الخ هل تتدخلون لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وبالأخص المعتقلين الإداريين الذين يمضون سنوات دون محاكمة? -اسرائيل تقول إنها ورثت أنظمة الاعتقال الإداري عن الانتداب البريطاني وهي بذلك تتبع القانون القديم. طبعا نحن لانوافق على أي اعتقالات مديدة من دون محاكمة لكننا لانملك السلاح لفرض ما نريد بل نملك الإصرار والمتابعة ونسعى دائما لضمان حقوق المعتقلين وحسن معاملتهم. نعلم أن رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر السيد جاكوب كالينبرغر اجتمع قبل أيام مع مسؤولين اميركيين رفيعي المستوى في واشنطن وعلى رأسهم الرئيس جورج بوش ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد, عن أي شيء دار الحديث في هذه اللقاءات? -لا أعلم التفصيلات لكن من خلال ما صدر رسميا فإن الحديث تركز على انشغالات الصليب الأحمر باحتجاز المعتقلين لدى الولايات المتحدة والتحديات التي تواجهها المنظمة في النزاعات المسلحة عبر العالم وأقدر أن الحديث تطرق إلى الأوضاع في العراق ودارفور وغوانتانامو والكونغو. هل لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر أجندة خاصة لملاحقة خروقات القانون الدولي في العالم, أم أنها تتأثر بالضجيج السياسي الذي قد تثيره الدول الكبرى حول هذه القضية أو تلك , دارفور مثلا? -الصليب الأحمر موجود في عشرات الدول وحيث البؤر الساخنة في العالم وهو يستند إلى منطلقات أساسية في عمله ولايتأثر بالضجيج السياسي. وأول هذه المبادىء هي الحيادية وعدم التحيز لأي طرف حيث نعمل على خدمة جميع الضحايا وحماية حقوقهم الأساسية دون النظر إلى العرق واللون والدين والتوجه السياسي. ونحن نرفض أي تبرعات إذا كانت مبنية على أساس ديني, والمبدأ الآخر الهام أيضا هو الاستقلالية, فالمنظمة مستقلة عن أي جهة سياسية ولاتقدم أي أفكار عن الصح والخطأ في هذا المكان أو ذاك, والمهم أن نساعد الإنسان الذي يحتاج إلى مساعدة ولا علاقة لنا أيضا بالأمم المتحدة أو أي منظمة أخرى. والمبدأ الثالث هو سرية المعلومات فنحن لاننشر أو نقدم لجهة ثالثة أي معلومات تزودنا بها الحكومات المحلية بل نرفع تقاريرنا السرية إلى الجهات المحلية المسؤولة وهذا طبعا يريح الحكومات التي لاتحبذ أن تطلع جهات خارجية على معلومات داخلية. |
|