تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إجراءات لمعالجة ظاهرة التسرب المدرسي في درعا

مراسلون
الأربعاء 23/2/2005 م
سلامة دحدل

برزت في السنوات الأخيرة, بمدارس التعليم الأساسي في محافظة درعا ظاهرة التسرب المدرسي.

‏‏

ونعني به خروج بعض التلاميذ والطلاب من المدارس والانقطاع عنها قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي. أي التعليم ما قبل الثانوي. ونظرا لخطورة هذه الظاهرة على حياة وتربية الجيل وانعكاساتها السلبية على العملية التربوية بالمحافظة, فقد آثرنا في هذا الموضوع بحث هذه المشكلة, والتعرف على أسبابها, والاطلاع على الجهود والتدابير التي اتخذتها وتتخذها تربية درعا لمواجهتها وسد منابعها. وذلك من خلال المعلومات التي لدينا والأحاديث التي أجريناها مع السيد مدير التربية وبعض المعنيين في شعبة التعليم الإلزامي بالمحافظة.‏‏

بدايات الظاهرة‏‏

بدأت ظاهرة التسرب في مدارس محافظة درعا تبرز إلى السطح, وتأخذ حيزا لافتا للانتباه منذ الثمانينات. ويقول الأستاذ رياض حسين مهدي مدير التربية بدرعا: إن انتشار الظاهرة واتساعها في مدارس المحافظة خلال السنوات الأخيرة دفع المديرية إلى التحرك السريع والعمل على متابعتها وتحديد أسبابها والتصدي لمعالجتها وذلك من خلال التنسيق والتعاون المستمر مع مختلف الجهات المعنية بالمحافظة. وفي مقدمتها رئيس مكتب المحافظة للتعليم الإلزامي. وقد بذل العاملون في شعبة التعليم الإلزامي في مديرية التربية جهودا كبيرة ومازالوا يبذلون.. للسيطرة على الظاهرة وتجاوزها, أو على الأقل للحد منها, وسد منابعها وتمثلت هذه الجهود بعقد العديد من الندوات في مدن وقرى المحافظة, لشرح مخاطر التسرب المدرسي وأهمية وضرورة مواصلة التعليم, والقيام كذلك باستدعاء أولياء المتسربين, والتباحث معهم وإقناعهم بإعادة أبنائهم للمدارس.‏‏

الحالة الراهنة‏‏

وذكر السيد عطا محمد المقعلاني أمين السر المركزي للتعليم الإلزامي في تربية درعا أن جهود العاملين في المديرية قد أثمرت في مواجهة ظاهرة التسرب المدرسي وانحسارها في مدارس الحلقة الأولى من التعليم الأساسي. أي من الصف الأول وحتى الصف السادس. وقال: إن المؤشر العملي على نجاح تربية درعا في معالجة هذه الظاهرة ووضعها تحت السيطرة في صفوف الحلقة الأولى من مرحلة التعليم الأساسي بدرعا هو تراجع عدد المتسربين الآن في تلك الصفوف. ففي حين كان عددهم في العام الدراسي 1981- 1982 نحو 2019 تلميذا وتلميذة, وفي العام الدراسي 1983- 1984 نحو 811 تلميذا وتلميذة, فإن أعدادهم تراجعت في السنوات اللاحقة وبلغت في الفصل الأول من العام الدراسي الحالي 2004- 2005 م 600 متسرب فقط. ولكن يبدو أن هذا النجاح لم يتحقق في مدارس الحلقة الثانية من مرحلة التعليم الأساسي, حيث بلغ عدد المتسربين من الصف السادس حتى الصف التاسع خلال الفصل الأول من العام الدراسي الحالي 4369 طالبا وطالبة. وبهذا يكون مجموع المتسربين في كامل مرحلة التعليم الأساسي بالمحافظة هو 4969 تلميذا وتلميذة.‏‏

إجراءات المعالجة‏‏

وإلى جانب عقد الندوات والنشاطات الأخرى التي تقوم بها شعبة التعليم الإلزامي بدرعا لمواجهة الظاهرة وتقليص عدد المتسربين تقوم تربية درعا باتباع أساليب أخرى لتحقيق النجاح في هذا المجال وفي مقدمة هذه الأساليب والإجراءات تطبيق العقوبات الواردة في القانون 35 لعام ,1981 والقرار 4110 وتحدث لنا عن هذه العقوبات السيد طه الزعبي الموجه التربوي للتعليم الإلزامي فقال: في حال امتناع ولي التلميذ عن إرسال الطفل إلى المدرسة بعد عدة أيام من إنذاره وتبليغه من قبل مكتب التعليم الإلزامي في المحافظة يعاقب بغرامة مالية مقدارها 500 ل.س وفي حال الامتناع للمرة الثانية يعاقب بغرامة مالية جديدة وهي 500 ل.س مع السجن مدة شهر. وإذا استمر التسرب يعاد الحكم بالسجن والغرامة من جديد. وذكر الموجه التربوي أن عدد الدعاوى المقامة على الممتنعين عن إرسال أولادهم إلى المدارس وصلت في الفصل الأول من العام الدراسي الحالي 295 دعوى وهي منظورة الآن أمام محاكم الجزاء بدرعا. وقد أشاد السيد طه الزعبي بالتعاون الكبير الذي تبديه محاكم درعا وشرطة المحافظة في سرعة تبليغ أولياء التلاميذ المتسربين والبحث عن أماكن سكنهم وتطبيق الأنظمة والقوانين بحقهم وأضاف السيد طه: إن ملاحقة أولياء المتسربين وتطبيق القوانين عليهم قد ساهمت في معالجة الظاهرة إلى حد كبير في صفوف الحلقة الأولى من مدارس التعليم الأساسي وهذا ما يفسر لنا تراجع عدد المتسربين في هذه الحلقة من 2109 تلاميذ عام 1982 إلى 600 تلميذ في الفصل الأول من العام الدراسي الحالي.‏‏

وبالتالي فإن عدم وجود رادع قانوني لأولياء الطلاب المتسربين في صفوف الحلقة الثانية من التعليم الأساسي على غرار القانون 35 المشار إليه آنفا هو الذي يعرقل النجاح في معالجة ظاهرة التسرب المدرسي في هذه الحلقة إلى الآن. ولهذا وجدنا أن عدد المتسربين في الصف السابع وحتى التاسع وصل في الفصل الأول للعام الدراسي الحالي إلى نحو 4370 طالبا وطالبة. ولعل من الأمور الأخرى التي تضعف جهود معالجة الظاهرة في مدارس الحلقة الثانية عدم وجود صفوف السابع وحتى التاسع في بعض مناطق المحافظة كمنطقة اللجاة والمناطق الجنوبية الشرقية من المحافظة.‏‏

أسباب أساسية‏‏

وبعد أن استعرضنا واقع المشكلة في مدارس المحافظة وطرق معالجتها, فقد حاولنا التوقف عند أسبابها العامة وعوامل ظهورها في مدارس المحافظة حيث أجمع الذين حاورناهم في مديرية التربية بالمحافظة بأن الوضع الاقتصادي المتردي لبعض الأسر هو السبب الرئيس في تسرب أبنائهم من المدارس. بل وهو السبب الأساسي في عدم التحاق أطفالهم في المدارس أصلا. إذ قال المسؤولون في التعليم الإلزامي في تربية درعا أن الدراسات التي أجريناها على الحالات التي لدينا أظهرت أن الضيق الاقتصادي والفقر عامل يقف وراء عدم التحاق بعض الأطفال بالمدارس وتسرب البعض الآخر منها. فهذا والده عاجز عن العمل. وذاك عائلته فقيرة وآخر يعيل أسرة حرمت من الأب وهناك سبب آخر لا يقل أهمية عن السبب الأول من حيث النتيجة وتزايد عدد المتسربين ألا وهو حاجة بعض الأسر لأبنائها في العمل وبخاصة العمل الزراعي وتربية الثروة الحيوانية. إذ إن جهل بعض أولياء الأمور يدفعهم للطلب من أبنائهم ترك المدارس والالتحاق بالعمل ومساعدتهم في المشاريع الزراعية وتربية الماشية وغير ذلك من الأعمال الأخرى.‏‏

ولعل من العوامل الأخرى المهمة التي تدفع بالتلاميذ إلى مغادرة المدارس تفكك الأسرة وغياب رقابة الآباء ومتابعتهم لأبنائهم وإهمالهم لهم والتخلي عن مسؤولياتهم تجاه إعداد الجيل بشكل صحيح وسليم.‏‏

وغالبا ما يجد بعض هؤلاء الأولياء متعة في هروب أبنائهم من المدارس والتحاقهم بأعمال غير مشروعة لكسب المال ويتذرعون بحجة أن أولادهم كسالى وغير مجتهدين. ونشير أخيرا إلى سبب طارئ يضاف إلى باقي الأسباب التي ذكرت لتفسير ظاهرة التسرب وتحديد بواعثها ويتمثل هذا السبب في الفارق الكبير بين المردود المادي للعاملين في الوظائف على أساس الشهادات التعليمية وبين المردود المادي للعاملين في القطاع الخاص الذين يهجرون المدارس ويعملون في الأعمال الحرة التي لا تتطلب في أغلب الأحيان تعليما عاليا ومتقدما. ولا شك فإن هذا العامل قد أفرزته أوضاع ومتغيرات اقتصادية عديدة ومختلفة في العالم لسنا بصدد بحثها الآن. والمهم هنا أن هذا السبب يغري الكثير من الشباب ويدفعهم لترك التعليم والالتحاق بالأعمال الحرة والسفر والهجرة لكسب المال الكثير.‏‏

وخلاصة القول هي أن لظاهرة التسرب من المدارس مخاطر جسيمة على الأجيال ويجب علينا أن نتصدى لها بحزم عن طريق دراستها بعمق ومعرفة أسبابها الفعلية ووضع الحلول الناجعة للسيطرة عليها والتخلص منها نهائيا. سواء في درعا أو غيرها من المحافظات. وذلك من خلال تضافر جميع الجهود انطلاقا من المنزل ومرورا بالمدرسة وانتهاء بالجهات المعنية ونأمل أن تكون الإجراءات الرادعة أكثر شدة تجاه الأولياء الذين يستهترون بالمشكلة ونشد على أيدي العاملين في شعبة التعليم الإلزامي بدرعا لبذل المزيد من الجهود وتحقيق النتائج الأفضل في هذا المجال.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية