|
مجتمع في تلك الحالة, أن تتكفل المؤسسات التي تتبع لها السيارات المتسببة بالحادث (حسب العائدية) بدفع تعويضات أهالي المتوفين, وصرف نفقات معالجة المصابين بما يتناسب مع نسبة العطالة, والعجز, والضرر, مع الأخذ بعين الاعتبار سن العاجز ووضعه الاجتماعي, ولا سيما إذا كان متزوجاً أو معيلاً لأسرة.. والسؤال المطروح دائماً: إلى أي حد تلتزم مؤسساتنا بدفع التعويض المناسب لضحايا الحوادث التي تتسبب بها السيارات الحكومية والسائقون العائدون إليها?.. وهل ما تدفعه فعلاً, بعد تجاوز سلسلة من الدعاوى القضائية والإجراءات الروتينية, يغني هؤلاء المتضررين وأسرهم ويجنبهم عواقب البطالة, وينقذهم من بطش الفاقة والجوع?.. ثم -وهذا هو الأهم):ما دور التأمينات الحقيقي ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل, في معالجة واقع البطالة الذي يؤول إليه العاجز بعيد الحادث.. وهل هو دور ناهض وفاعل, أم هامشي وزائل?!.. لنتابع إحدى الحالات: حادث دهس وضحايا بالجملة جاسم محمد أحمد -تولد 3791- من أبناء محافظة القنيطرة المحررة قال:بتاريخ 1/2/1991 وأثناء قيامنا مع مجموعة من الجماهير بمسيرة شعبية في تجمع الذيابية, وعلى الطريق العام فوجئنا بسيارة حكومية تجاوزتنا بسرعة زائدة وأسفر هذا الحادث الرهيب عن وفاة كل من:ابراهيم عبد الله شحادة, ومحمد بركات الراجم, كما أصيب كل من: صايل عوض ثليجات, وأحمد اللاقي, وأحمد موسى كحيلة, وأحمد عبد العزيز الجاسم, وسالم قصاب, وشحادة موسى, ومنعم صالح خليل, ومشهور الراضي, كما أصبت أنا مع جميع هؤلاء.. ولم يتمكن أحد من معرفة رقم السيارة لأن سائقها لاذ بالفرار, ولكن شهود الحادث تمكنوا من تحديد عائديتها إلى إحدى الوزارات المعروفة.. وقد أسعف جميع المصابين إلى مشفى المجتهد, ونصبوا من أنفسهم مدعين شخصيين بحق السائق في حال معرفته..وأسفرت التحقيقات في هذه الحادثة عن تحديد أسباب الحادث: بسرعة السائق وعدم انتباهه, حيث وقعت المسؤولية بنسبة 001% على هذا السائق للأسباب المذكورة في ضبط حادث الدهس رقم 52242 تاريخ 4/21/1991. معالجات ما بعد الحادث ويتابع جاسم محمد أحمد القول: نتيجة لهذا الحادث الرهيب, تعرضت لإصابتي بجروح وكسور متعددة في الجانب الأيمن من الجمجمة, والفك السفلي, وكسر متفتت ومتبدل في الفخذ الأيسر, وتشويه في يدي اليمنى إضافة لتشوهات عديدة ومعيبة في أنحاء جسمي.. وبعد سبات لمدة ثلاثة أشهر في مشفى دمشق, تخرجت وأنا أعاني من الألم الشديد, ونسبة من العجز منعتني حينئذ من التقدم لامتحانات الشهادة الثانوية.. حلول جزئية اللافت لنظر في هذه الحادثة, أن تكشف بصورة أو بأخرى عن عجز المؤسسات التي قدمت لهذا العاجز حلولاً جزئية, يقول جاسم:كوني أكبر أخوتي وليس لنا معيل, تقدم والدي بطلب معالجة وتوظيف إلى الوازرة التي تتبع لها السيارة الصادمة.فتم تعييني في مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية, وراجعت المؤسسة لإتمام معاملة تعييني, وداومت بصعوبة لمدة شهرين, راجعت بعدها طبيب المؤسسة الذي أحالني إلى مشفى تشرين من أجل المعالجة, وأجروا لي عملاً جراحياً في فخذي الأيسر -على مراحل- وعندما استنفذت مدة النقاهات تمت إحالتي على المعاش التقاعدي, ومجموعه الكامل في الوقت الحالي /2000/ ل.س, دون النظر إلى أنني لم استكمل علاجي, وإن هذا المبلغ لا يسد أدنى حد من احتياجاتي المعيشية والعلاجية. عجز يفضي إلى عجز ويكشف جاسم من خلال حالته التي نسوقها هنا على سبيل المثال فقط, وليس الحصر.. يكشف عن عجزه الذي أمضى به إلى عجز أكبر, هو عجز المؤسسات التي لم تقدم له ولأمثاله أنصاف أو حتى ربع الحلول.. يقول:بعد ذلك راجعت وراسلت العديد من الجهات المختصة في الدولة من أجل النظر بوضعي وتقديم المساعدة الممكنة بتأميني في عمل إداري بعد أن أحرزت الشهادة الثانوية, كما راجعت أيضاً الوزارة التي تتبع السيارة الصادمة -بالعائدية- لها من أجل متابعة المعالجة وتقديم التعويض المناسب لأعيش منه أنا وأسرتي وأخوتي الصغار..ولكن دون جدوى, فرحت أمد يدي طالباً الخير والعون من أهل الخير والبركة والكرم.. مع مدير التأمينات الاجتماعية عرضنا هذه الحالة بتفاصيلها على مؤسسة التأمينات الاجتماعية وفي حوار مع السيد خلف العبد الله المدير العام, بين أن مثل هذه الحالات هي في الأساس خارج نطاق وعمل المؤسسة لجهة الآلية المتبعة في إجراءاتها, فإذا عرفنا أن المواطن صاحب المشكلة قد تم تعيينه في المؤسسة المذكورة سابقاً والتي يعمل فيها بعد الحادث ما يترك هنا أكثر من علامة استفهام, وليس الأمر أن المواطن كان بالأساس موظفاً في المؤسسة وتعرض للحادث!! هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى وبعد أن داوم المذكور لمدة شهرين وبصعوبة كما يقول راجع طبيب المؤسسة الذي أحاله إلى إحدى المشافي الرسمية للمعالجة وبعد المعالجة والاستراحات المتعددة التي احتاج إليها أحيل إلى المعاش التقاعدي. وهنا لابد من لفت الانتباه إلى ذلك, حيث أن خدمته الفعلية في العمل قليلة جداً وضعيفة وأجره في ذلك الوقت متدن ما فرض تخصيص مبلغ مادي ضعيف. وللإيضاح نقول: إن مؤسسة التأمينات الاجتماعية تتحمل الإصابات التي تنجم عن العمل بكل المقاييس والمعايير المعروفة قانوناً, وهي تقوم بتحمل كافة الأعباء ضمن هذا الإطار والوقائع والمعطيات أكبر دليل على ذلك, حيث تأتينا سنوياً العديد من الإصابات الناجمة عن العمل ونقوم بمعالجتها والتعامل معها حسب الأنظمة والقوانين التي تخصها وتتعلق بها. والمشكلة التي نناقشها الآن بشأن المواطن المذكور تختلف تماماً عما نذكره حيث لا توجد إصابة عمل أبداً والموضوع يتعلق في مثل هذه الحالة بمؤسسة التأمين. إلى وزارة الشؤون الاجتماعية إذا كانت مؤسسة التأمينات ترى في حالة المواطن جاسم وما يماثلها من حالات مشابهة, ما هو خارج نطاق عمل المؤسسة لجهة الآلية المتبعة في إجراءاتها..كون الإصابة ناجمة -قبل العمل- فهي لا تندرج حكماً في إطار إصابات العمل ليعاملوا معها حسب الأنظمة والقوانين التي تخصها كمؤسسة, فما دور وزارة الشؤون الاجتماعية يا ترى? ولو فرضنا جدلاً, أن حالة جاسم خارج إطار القوانين والأنظمة المرعية ألا يشكل حالة من حالات الشؤون الاجتماعية التي يمكن أن يتعرض لها كل مواطن, فيستحق من مؤسسات الدولة الرعاية والتعويض.. فمن المسؤول عن عجز هذا المواطن في النتيجة? أليست هي إحدى الآليات التي تتبع لمؤسسة حكومية, وسائقها.. ألم يكن سائقاً حكومياً يتبع في العائدية إلى تلك المؤسسة? وإذا كانت تلك المؤسسة قد تنصلت من مسؤوليتها في دفع التأمين والتعويض اللازم لهذا المواطن, واكتفت بتوظيفه (كرد اعتبار) أو (امتصاص للنقمة) لمدة شهرين, أحيل إلى التقاعد بعدها.. فمن الأجدر بمؤسسات التأمين مطالبة المؤسسة صاحبة الضرر بإعادة هذا المواطن للعمل لديها -في عمل إداري- يتناسب مع طبيعة عجزه, خاصة وأنه قد حصل على الشهادة الثانوية.. أو تقديم -التأمين المناسب- له حتى يعيش بالمستوى اللائق به إنسانياً واجتماعياً, فلا ينضم بعدها مكرهاً إلى طابور المتسولين.. اعتقد أن هذه القضية, مسألة تستحق إعادة نظر.. وأرى في معاناة المواطن جاسم, مادة تستحق أن نتوقف عندها بشيء من رحابة الصدر, ولو اقتضى الأمر الخروج عن نطاق القوانين, فلكل قاعدة استثناء, والاستثناء لا يمكن أن يكون قاعدة, هو فقط يريد السلة ولو كانت خالية من العنب.. |
|