تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قمة الرياض.. حمايــة المصالـح العربيـة

شؤون سياسية
الخميس 12-3-2009م
د. ابراهيم زعير

مما لا شك فيه، أن حقائق الواقع الملموس تفرض على السياسة والسياسيين مقولاتها ومنهجها، فيما إذا أراد السياسيون والمسؤولون

عن وضع المنهج السياسي الانسجام والتوافق المصلحي لما فيه خير الجميع من أصحاب المصلحة المشتركة وهذه المصلحة وعلاقتها بالسياسة المعلنة، يمكن أن يشوبها الكثير من التفصيلات والتباينات في آلية التفكير بل والاختلافات في هذه القضية أو تلك. ولكن هذه الاختلافات يمكن ضبطها والتحكم بها استناداً إلى فهمها وإبراز ما هو جوهري ورئيسي في التوافق وتغليبه على ما هو ثانوي وحتى هامشي الكامن في الاختلاف، وفي سياق هذا الفهم العميق لقضية التوافق والاختلاف، نجد في كلمات السيد الرئيس بشار الأسد أثناء الحوار المطول الذي أجرته معه صحيفة الخليج« الإماراتية» الإجابة الدقيقة والواضحة عن سؤالها حول القمة العربية ومشكلة العلاقات العربية بقوله:« إن مشكلة العلاقات العربية لا تكمن في الخلاف، بل في كيفية إدارته» ويقول:« يجب أن تعقد القممم العربية إذا كنا مختلفين، لكن المقاربة لدينا خاطئة، حيث تمنعنا الخلافات من اللقاء، بينما الاتفاق حول كل شيء غير منطقي، والأخوة في المنزل الواحد لا يتفقون». إذا الطبيعي أن يكون هناك اختلاف ولكن الخطأ الفاحش وأحيانا الكارثي، أن لا يبحث الأخوة المختلفون عن طريقة لتجاوز هذه الخلافات التي تبقى في المعايير الوطنية والمعايير القومية ثانوية مقارنة مع ترسخ التناقضات الرئيسية مع العدو المشترك وهو في حالتنا العربية اسرائيل الصهيونية التي يحتاج كبح جماح عدوانيتها واستباحتها للحقوق العربية الفلسطينية والعربية عموماً، أوسع علاقات أخوية بين أبناء البيت العربي الواحد، ولن نعيد ونكرر ما هو واضح للجميع إن كان لدى أبناء البيت العربي أولدى شعوب المنطقة والعالم من حقوق مشروعة وعادلة مغتصبة من قبل هذا العدو الصهيوني الشرس والمتوحش في جميع المقاييس القانونية الدولية. ومن المشروعية أن نطرح العديد من المشكلات التي اجتاحت المنطقة العربية، في ظل الفرقة والاختلافات العربية التي كادت أن تخرب البيت العربي، الذي تنتعش نشوة أعدائه وطموحاتهم وأطماعهم ومؤامراتهم، في حالة وهنهم وضعفهم التي شهدناها خلال المرحلة الأخيرة. لقد طمعت اسرائيل وحلفاؤها الغربيون ولا سيما في أثناء إدارة بوش. التي لم تبخل في تقديم كل الدعم لعدوانيتها الموجه ضد العرب، أن ترتكب جريمة العدوان الوحشي على لبنان، وزجت بثقلها العسكري بتوجيه ضربة قاتلة للمقاومة اللبنانية البطلة، أملاً في تغيير معادلة الصراع لصالح حلفائها الاستعمار الغربي والأمريكي وترسيخ مشروعها« الشرق الأوسط الكبير الجديد» والانتقام من المقاومة التي أرغمتها على ترك معظم أراضي الجنوب اللبناني عام 2٠0٠، ولكن صمود المقاومة وتأييد الشارع العربي لهذه المقاومة أفشل أهداف اسرائيل في لبنان، وتكرر نفس السيناريو في غزة البطلة ٢٠0٨، وهنا أيضاً فشلت اسرائيل في الغاء المقاومة من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي رغم كل ما ارتكبته من جرائم قتل وإبادة وتدمير بحق المدنييين الآمنين في لبنان وغزة. وانتصار المقاومة في المعركتين على الجبهتين اللبنانية والغزاوية، فرض منطق المقاومة والصمود في معادلة الصراع. وساهم هذان الانتصاران في إعادة التفكير السياسي ليس لدى البعض في المنطقة بل وعلى المستوى الدولي، وبدأت ملامح التعاطي مع المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية ليس بوصفهما حركات إرهابية « كما تدعي اسرائيل والغرب الاستعماري بل حركات لها جذورها العميقة في الضمير العربي والقناعات السياسية والفكرية في المنطقة والعالم وبوصفهما حركات مقاومة مشروعة وعادلة.‏

إلا أن كل هذه النجاحات رغم أهميتها فرضت أهمية استعادة العافية للوضع العربي إن كان على المستوى الفلسطيني أم على المستوى العربي العام.‏

وبدأت الخطوات الملموسة باتجاه التلاقي العربي وإعادة جذوة الحياة التي لم تنطفىء يوماً لموضوعات التضامن العربي والعمل المشترك، وبدأ كسر الجليد في هذه العلاقات في قمة الكويت الاقتصادية بمبادرة من قبل الملك عبد الله، وكانت سورية العربية، كعادتها جاهزة دائماً لهذا التلاقي، بل كانت في مقدمة الداعين لهذا التلاقي الذي تحتاجه الشعوب العربية ومجموع العرب. لقناعاتها الراسخة بأن التضامن العربي والعمل العربي المشترك المناهض للمتربصين بالعرب،هو طريق حماية العرب ومصالحهم وهو الطريق الوحيد لكي يكون للعرب دورهم وتأثيرهم في الساحتين الإقليمية والدولية.‏

واليوم ومن خلال اللقاءات العربية على مستوى الرؤساء والملوك ومن خلال التحضير الجيد للقمة العربية في الدوحة، سيجد الجميع أنهم بأشد الحاجة إلى بعضهم البعض في مواجهة التحديات الصهيونية والاستعمارية، وإنهم بهذا التوجه قادرون على مساعدة السودان الشقيق ورئيسه عمر حسن البشير الذي يتعرض لمؤامرة كبرى قامت بتنفيذها محكمة الجنايات الدولية الأداة السياسية الطيعة بيد القوى الكبرى. وبهذا التوجه يمكن أن يقدموا خدمة كبرى للشعب العربي الفلسطيني باستعادة وحدة صفوف فصائله المناهضة للعدوانية الصهيونية، ومساعدة الشعب العراقي واللبناني ومجموع الشعوب العربية. وهذا التوجه يمكن أن يوحد العرب من أجل ارغام اسرائيل على الاستجابة لإستحقاقات السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط على أراضية استعادة الحقوق العربية المغتصبة. وفي هذا السياق يمكن أن يحدد العرب من هم أعداؤهم الحقيقيون ومن هم حلفاؤهم وأصدقاؤهم الفعليون، عملاً بالآية الكريمة« وتعاونوا على البر والتقوى ولا تتعاونوا على الإثم والعدوان » صدق الله العظيم‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية