تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأزمة في سورية .. واستحالة الصوملة !!

شؤون سياسية
الأحد 6-1-2013
 محمد عبد الكريم مصطفى

يُخطئ من يعتقد بأن سورية ذاهبة إلى الصوملة مهما طال أمد الأزمة التي تتعرض لها سورية ، ليس بسبب قوة وتماسك جيشها الوطني فحسب، بل كون الأغلبية الساحقة من الشعب السوري بمكوناته المتباينة عقائدياً وسياسياً تمتلك الوعي الوطني الكافي لمنع الانزلاق في حرب أهلية كما حصل في الصومال ،

ولدى المجتمع السوري قناعة تامة بأن ما يحصل هو حرب دولية موجهة لانتزاع الدور والمكانة الإقليمية و إركاع وتبعية سورية نتيجة الموقف الثابت لنهج المقاومة المعادي لإسرائيل وللمشاريع الاستعمارية من أي نوع أو لون كانت ، ولا علاقة لهذه الحرب بالمطلق لا بالحرية ولا بالديمقراطية ، لذلك نرى بأن المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي ربما وقع عن غير قصد في مصيدة الجماعات الإرهابية المسلحة التي أوهمته بأنها قادرة على تحويل سورية إلى صومال جديد ، وأعتقد بأن الوضع في سورية خطير وإذا لم يتم الاتفاق على حل سياسي خلال أشهر قليلة ستذهب سورية إلى الجحيم في إشارة منه إلى أن سورية تتجه إلى حرب أهلية كما حصل في الصومال .‏

على الرغم من صعوبة الموقف الميداني على الأرض في أغلب المناطق الساخنة نتيجة أعمال التخريب والتدمير والسرقة التي تقوم بها العصابات المجرمة ، وبالرغم من حجم التضحيات التي يُقدمها الجيش العربي السوري ومؤسسات الدولة والشعب السوري على المستوى الإنساني والمادي ، فإن الحقيقة الأكيدة هي أن الجيش العربي السوري لديه القدرة التنظيمية واللوجستية الكافية على حسم المعركة لصالح الدولة خلال فترة قياسية عندما يرى بأن الوطن أصبح في دائرة الخطر الكبير وأن عدم الحسم سيؤدي إلى الهاوية ، وإن ما يجري في أرض المعركة وفق ما نقله خبراء في الاستراتيجيات العسكرية ومراقبون مطلعون ، ما هو إلا عمليات نوعية تقوم من خلالها القوات المسلحة بتطويق الإرهابيين والقضاء عليهم دون أن تطال نيران الجيش العربي السوري المدنيين العزل ، ويٌقدم الجيش الوطني الكثير من الشهداء والجرحى جراء عمليات القنص الجبانة أثناء عمليات ملاحقة العصابات المسلحة مقابل الحفاظ على حياة المواطنين ، السؤال هنا : إلى متى تستطيع سورية جيشاً وحكومة وشعباً الصمود تجاه هذه الحرب القذرة التي تلقى دعماً مالياً ولوجستياً مستمراً من قبل عملاء أمريكا في المنطقة من الأعراب والعثمانيين ما يُعطي للإرهابيين القدرة على كسب بعض المواقع لوقت محدود يُؤدي تواجدهم فيها إلى واقع مؤلم ، سواء لجهة الانفلات الأمني في هذه المناطق التي يتواجد بها المسلحون واستمرارهم بعمليات الإجرام المرعبة من قتل وخطف وتقطيع للأوصال وسرقة ونهب واغتصاب وغيرها من الأحداث التي لم يشهدها التاريخ السوري ؟ السؤال الآخر إلى أي مدى يُمكن للاقتصاد السوري أن يقف في وجه الحملة العدائية الخارجية والحصار اللا أخلاقي الذي تفرضه دول محور الشر الأمريكي الأوروبي العربي على الشعب السوري ؟‏

في الواقع إن الحكومة السورية وقيادتها السياسية تعملان من منطلق إستراتيجي بعيد المدى لحماية سورية أرضاً وشعباً ودولة ، وإن التخطيط التكتيكي مهما تبدل أو قدم هدفاً على آخر فهو يخدم بالأساس مشروع حماية الدولة الذي هو الأهم بالحفاظ على منجزات السوريين التي بنوها على مدى أكثر من خمسة عقود ماضية ، مع التأكيد على ضرورة تطوير هذه الانجازات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ضمن مشروع وطني شامل تشترك فيه جميع القوى السياسية الوطنية من أحزاب وشخصيات وتجمعات وغيرها ، ولا يحق لأي كان في هذا العالم إقصاء أي مكون من مكونات الشعب السوري عن المشاركة في بناء سورية الحديثة التي نريدها نحن وغيرنا من السوريين ، أما التيارات المرتبطة بالخارج بأجندات مُعدة مسبقاً فرضت عليها التزامات محددة مقابل ما تقاضته من مساعدات أو دعم مالي مشروط لتدمير سورية وتخريبها بالكامل وهذا ما جعلها ترفض مشاركة الآخرين بالحل الوطني من خلال الحوار البناء مع أطياف المجتمع السوري بما فيها الحكومة ، وهذا حصل مع ائتلاف الدوحة الذي اعترفت به الدول المعادية لسورية كممثل للشعب السوري بينما هو وأتباعه ليس لديهم امتداد يُذكر في الشارع السوري بحيث لا يرقى بحجم مريديه إلى مستوى حزب وطني جديد حديث الولادة مع تقديرنا للأحزاب الجديدة .‏

ومن الناحية الاقتصادية تمكن الشعب السوري في السابق من مواجهة حالات مماثلة من الحصار والمقاطعة الاقتصادية ، واستطاعت الحكومات السورية في حينها تجاوز كل أنواع العقوبات الظالمة من خلال الصبر والصمود الشعبي الكبيرين ، لذلك وبالرغم من هول الخسائر التي سببتها العصابات الإرهابية من خلال التخريب المتعمد للمنشآت ومؤسسات الدولة والممتلكات والمعامل الخاصة ، فإن الحكومة السورية والشعب السوري سيتغلبان على كل ذلك بسياسة الاعتماد على الذات بالدرجة الأولى، وبمساعدة أصدقاء الشعب السوري الحقيقيين من الروس والصينيين والإيرانيين ودول أمريكا اللاتينية وغيرهم.‏

إن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وشركاءهما في الحرب على سورية من الأوروبيين وغيرهم من أعداء الشعب السوري لا يُزعجهم استمرار نزيف الدم السوري ولديهم قناعة بأن ما يحصل في سورية من اقتتال وتخريب لصالح مشاريعهم وأطماعهم في المنطقة ، وربما هذا صحيح فيما لو وصلت سورية إلى حد الانهيار وتمكنوا من إيصال عملائهم إلى هرم السلطة ، لكن هذا حلم إبليس بالجنة ، وسورية التي واجهتهم في السابق وانتصرت عليهم بإمكانات محدودة ، ستعلمهم في هذه المعركة وخلال وقت لن يطول كثيراً بأن انتصارها القادم سيكون أثقل عليهم بكثير وأشد مرارةً من كل الانتصارات السابقة ، وقد يجدون أن ما فعلوه في سورية من تدمير وتخريب وقتل عليهم أن يُسددوا ضريبته غالياً هم وعملاؤهم الذين شاركوهم في سفك الدم السوري الطاهر ، وستلاحقهم لعنة سورية أينما حلوا حتى بعد هزيمتهم القريبة ، لأن الشعب السوري الأبي لن ينسى ، ولن يصفح عمن تاجر بدمه وحياته ، وإن صبر السوريين سيُثمر غضباً إلهياً على أعدائهم الذين سيحصدون الخيبة والفشل نتيجة شر أعمالهم .‏

Emil: m.a.mustafa@mail.sy

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية