|
فضاءات ثقافية يتابع حديثه عن القناع والكذب، فيقول: (لا أستطيع أن أتصور وأتمثل الأدب دون كذب.!، وأذكر أن دوستويفسكي علق على رواية «دون كيشوت» بأن مؤلفها أنقذ الحقيقة بواسطة الكذب. والحق أنه لولا هذا العنصر الأساسي في رواية «دون كيشوت» لما استطاع سرفانتس أن يقول لنا الحقيقة. إن الكذب غير المقبول في الحياة العامة أو الحياة السياسية يمكن قبوله في الأدب كعنصر خلق. وهو هنا يتخذ اسماً آخر: الخيال). دائماً أثار فوينتس، في أعماله التساؤل حول هوية المكسيك وسكانه. فيما كتب يعود ليصحح فكرة أن المنتصرين الحقيقيين كانوا الهنود الأميركيين وليسوا الأسبان.. وأن فترة القطيعة مع الحضارة الهندية الأميركية هي زمن الفتح الأسباني. ومن خلال روايته (المرآة الدفينة) التي صدرت نسختها العربية مؤخراً عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة، يحاول الكاتب المكسيكي قراءة تاريخ الثورات في أميركا اللاتينية. ولد فوينتس في الحادي عشر من تشرين الثاني عام 1928، في بنما سيتي لأبوين مكسيكيين، حيث كان والده يعمل مستشاراً ثقافياً للمكسيك في الولايات المتحدة الأميركية. يقول فوينتس عن ولادته: (ولدت تحت الشارة التي كنت سأختارها، برج العقرب، وبتاريخ شاركت فيه ديستويفسكي في روسيا وفوجئت في أمريكا). أمضى طفولته في كثير من أماكن القارة الأميركية: واشنطن، مكسيكو سيتي، بيونس آيريس، سانتيياغو، ري ودي جانيرو. درس الحقوق وسافر إلى جينيف لمتابعة دراسته العليا وتحصيل الدكتوراه.. ثم شغل مناصب إدارية في بلده المكسيك ليُعين فيما بعد سفيراً لبلاده في فرنسا عام 1975 إلى عام 1977. لقي فوينتس ترحيباً في باريس بصفته روائياً ثم دبلوماسياً.. إضافةً إلى كونه كاتباً سياسياً صاحب مواقف وآراء جريئة وساخرة.. من مواقفه تلك استقالته من منصبه احتجاجاً على تعيين الرئيس المكسيكي السابق دايات أوردات سفيراً للمكسيك في أسبانيا بسبب مواقفه الفاشية. من كتبه في المجال السياسي، كتاب (ضد بوش) الذي يسخر فيه من سياسة الرئيس الأميركي السابق. مع فوينتس وبجرأة، يمكن أن يتعدى توصيفه بالكاتب السياسي إلى المفكّر السياسي لاسيما لدى مطالعة روايته (كرسي النسر) التي يقدّم من خلالها تشريحاً نفسياً وفكرياً للمتنافسين على السلطة.. فاضحاً وساخة السياسة، على الأخص في دول العالم الثالث.. فهناك كل شيء مباح و متاح سبيلاً إلى (الكرسي). نفسياً، يخوض الروائي في عمله (كرسي النسر) نُشر عام 2010، فاضحاً خفايا الأمور.. نافذاً إلى خلفية أحداث درامية بارزة في حيوات شخصياته أدّت بها إلى الحياة السياسية.. وجميعهم ساروا على مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة).. صعدوا بطريقة الولاء المعلن أو الخفي للاعب الأكبر. ومع ذلك.. لم يحظَ الكاتب بالشهرة التي حظي بها نظراؤه الروائيون اللاتينيون الذين ينتمون إلى أدب أميركا اللاتينية، أمثال: ماركيز، بورخيس، و خورخي أمادو.. مع أن لأدبه ميزات سردية خاصة درسها نقاد أوروبيون. لكن.. كان لبعض مما كتبه حظاً وافراً من النجاح جعله ذا نصيبٍ من شهرةٍ مكّنته الوصولَ إلى مصاف المرشحين الدائمين لجائزة نوبل التي لم يفز بها. من كتبه التي أثرت في بعض الروائيين الذين سلكوا درب (تيار الوعي)، كانت رواية (موت أرتيميو كروز) التي تُسرد بلسان الراوي الذي يستعيد ماضيه وهو على فراش الموت. ومما جعله يختلف عن صف زملائه اللاتينيين تخففه من (الواقعية السحرية).. وتركيبه لنمط أدبي واقعي خيالي بمقاييسه الخاصة.. إضافة إلى ميزة أخرى جعلت من أعماله مكاناً يشتمل على الكثافة والتعقيد لدرجة يصعب في بعض الأحيان فهم مقصده مما يكتب. عُرف عنه ميله إلى الغرائبي المضحك، وتحطيم كل مقدس لدى الناس.. كان يقول: (السخرية تنسف الطبقية والتراتبية). في بداياته صدر له مجموعة «الأيام المقنعّة» (1954) وهي عبارة عن مجموعة قصص سوريالية، ثم رواية «المنطقة الأكثر شفافية» (1958)، صوَّر فيها نموذجاً حياً من سكان العاصمة مكسيكو سيتي. بعد ذلك أصدر رواية «الضمير الحي» (1959). وتعتبر روايته «موت أرتيميو كروز» (1962)، أهم إنجازاته الروائية، بعدها جاءت مجموعة «نشيد العميان» (1964)، ثم رواية «منطقة مقدسة» (1967)، «عيد ميلاد» (1969)، ثم «منزل ببابين» (1970)، «أرضنا» (1975)، «عائلة نائية» (1980). ثم تأتي رواية «كرينكو العجوز» (1985)، لتحقق لفوينتس مجداً آخر في هذا المجال. كذلك صدرت له رواية باللغة الإنكليزية «المرأة المدفونة» (1994)، كتاب «الحملة على أمريكا» (1994)، رواية «الزمن المكسيكي» (1995)، و كتب في مجال الدراسات والنقد منها كتاب «سرفانتس» الذي اشتمل نقداً لقراءة سرفانتس ورائعته «دون كيشوت». |
|