|
فضاءات ثقافية وكانت منظّمة «اليونسكو» قد وضعت هذه المدينة القديمة ضمن قائمة الآثار، والمواقع التي تتمتّع بحماية عالميّة. ويعود تأسيس تومبوكتو إلى القرن الحادي عشر. وأغلب سكّانها من «التّوارغ» وفي القرن الرابع عشر، أصبحت مركزاً للمبادلات التجاريّة بين القارّة السّوداء وبلاد المغرب والمشرق، وكانت القوافل تنطلق منها باتجاه فاس ومراكش وتونس وطرابلس ومصر والجزيرة العربيّة، وتصل أحيانا إلى بلاد فارس. ولم تكن تلك القوافل تنقل السّلع فقط، وإنّما كانت تنقل أيضاً المعارف والمخطوطات الثّمينة. سمح هذا الموقع الاستراتيجي في المجال التّجاري والجغرافي لتومبوكتو بأن تتحوّل انطلاقاً من القرن الخامس عشر إلى واحدة من أعظم المدن في أفريقيا وفي العالم الإسلامي. إذ بلغ عدد سكانها في ذلك الوقت مئة ألف نسمة. وكان يتردد على جامعتها المرموقة 25000 طالباً، قادمون في جلّهم من بلدان بعيدة. ومع مرور الوقت، غصّت مكتبات تومبوكتو بالمخطوطات الثّمينة في جميع مجالات المعرفة من فقه ولغة وتنجيم وقضاء وتاريخ ورياضيّات وعلوم طبّيّة وسِحْر. وإلى جانب المكتبات الكثيرة، توجد في تومبوكتو أضرحة لعلماء وفقهاء ورجال دين كانوا يحظون بتقدير واحترام النّاس. ومنذ احتلال المدينة الصحراوية من قبل الجماعات الجهادية، لا أحد يعلم ما حدث لمخطوطاتها ومكتباتها وكنوزها التاريخيّة العاكسة لمجدها القديم. وفي فرنسا صدر مؤخّراً كتاب هامّ فيه يستعرض مؤلفه «جان ميشال دجيان» الذي يعمل أستاذاً للعلوم السياسيّة وصحافيّاً في نفس الوقت، تاريخ مخطوطات تومبوكتو. وقد علّقت مجلّة «لو نوفال أوبسارفتور» على هذا الكتاب قائلة: «سيسمح هذا الكتاب القيّم للجمهور العريض بالتعرّف على الثّراء الخارق والرّائع وعلى الجمال والتنوّع الذي يعكس ما كتب، وما أنجز فكريّاً في تومبوكتو منذ ما يقارب ألف عام». ويشير «جان ميشال دجيان» إلى أن اكتشافه لعظمة هذه المدينة الصّحراويّة يعود إلى عام 1987. ففي تلك السّنة، انطلق إلى التّوغو لتقديم محاضرات عن السياسة الثّقافيّة من دون أن تكون له معلومات كثيرة عن تاريخ القارّة الأفريقيّة، وثقافاتها المتعدّدة والمتنوّعة. لكن منذ الأشهر الأولى اكتشف ما « أنار فكره» وما حرّضه على الغوص في البحث والتّنقيب بهدف التّعرّف على كنوز الثقافة الأفريقية. وقد اطّلع «جان ميشال دجيان» على آلاف المخطوطات تتّصل بالخصوص بمؤلّفات الرحّالة الغربيين الذين زاروا «المدينة المحرّمة» في فترات مختلفة من تاريخها من أمثال «رنيه كاييذه» و«هاينريش بارت» و«فيليكس دوبوا». وفي مركز «أحمد بابا للأبحاث والتّوثيق»، الذي تأسّس عام 1970 بمساعدة من اليونسكو اكتشف «دجيان» وهو في حالة من الدّهشة أن هناك ما يقارب ثلاثين ألف مخطوط في مختلف مجالات المعرفة» وجميعها تعكس الثّراء الثّقافي والحضاري لامبراطوية «سوندجاتا كايتا» «1230-1545»، وامبراطوريّة «سونغاي» التي حكمت في القرن السّادس عشر قبل أن تنهار عندما غزا جيش السّلطان المغربي مولاي إسماعيل المدينة عام 1591. ومن خلال الأبحاث المضْنية التي قام بها، والتي استمرّت 6 أعوام، اكتشف «جان ميشال دجيان» أن الصّراع بين المتمسكين بالشفوي، وبين الكتّاب والمؤلفين كان شديداً. ويرى»دجيان» أن كتابه عن مخطوطات تومبوكتو يدحض فكرة الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي الذي قال في خطاب في دكار عام 2007 بأنّ «الإنسان الأفريقيّ لم يدخل التّاريخ بما فيه الكفاية». |
|