تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«تغليف» ..رواية ترصد نفاق المجتمعات الغربية

عن لومانتييه
ثقافـــــــة
الأحد 6-1-2013
ترجمة: مها محفوض محمد

الهجرة من جنوب المتوسط إلى ضفته الشمالية... التمييز العنصري... البطالة والتشرد... أحياء المهاجرين الجدد في مدن أوروبية صاخبة بالمشاكل والعنف.

محطات يتوقف عندها الأديب الجزائري الأب، السوداني الأم رشيد دجيداني في رواياته التي كان أشهرها رواية «تغليف» التي تحولت أواخر عام 2012 إلى فيلم سينمائي أخرجه أيضاً رشيد دجيداني البالغ من العمر أربعين عاماً.‏

يسلط دجيداني في رواياته الأضواء على مطبات علاقات المهاجرين الأفارقة والعرب بشكل أساسي مع جيرانهم في أحياء شيدت خصيصاً على شكل غيتوهات لاحتوائهم بعيداً عن أحياء السكان الفرنسيين ليطفو التمييز العرقي على سطح أحداث «بومي كور» «صاحب القلب الخلاسي» و«تغليف».‏

التمييز الذي أتقنته ممارسات السياسات الفرنسية منذ أيام سطوتها الاستعمارية وبالنسبة لهؤلاء المهاجرين القادمين من السنغال ومالي ومويتانيا والنيجر وجنوب الجزائر فإن انسلاخهم عن بيئتهم التي ولدوا فيها يشكل حاجزاً طبيعياً أمام أنصارهم في المجتمع الأوروبي الجديد ليستقبلهم التسرب من المدرسة والتشرد ثم البطالة في أحضان شائكة وتبدأ رحلة عذاب من نوع خاص في بلد الاغتراب.‏

ويستعير رشيد دجيداني من كتاب عالم الاجتماع الفرنسي هوغ لاغرانج «جحود الثقافات» قضايا تشرد شريحة من المهاجرين الأفارقة المراهقين في شوارع مدن أوروبية صناعية لا ترحب إلا بأصحاب الخبرات كي يعملوا في مصانعها وورشاتها.‏

في العاصمة باريس تتداعى أحداث الرواية الفيلم «تغليف» الذي يعرض حالياً في الصالات الأوروبية- حين يسعى البطل دورسي للزواج من صابرينا التي يقف أهلها حجر عثرة أمام رغبة هذا الثنائي، فشقيق الشابة صابرينا ويدعى سليمان يرى أن حب الشابين منافٍ للتقاليد، فالكراهية وشريعة الفحولة تشكل خلفية هذا العمل الفني، علماً أن الصداقة بين الزنوج الأفارقة والعرب في بلاد الاغتراب لا تشوبها شائبة لكن دون السماح للفتيات من طرف بالاقتران مع شباب الطرف الآخر.‏

ورغم أن دجيداني لم يدرس الإخراج السينمائي إلا أنه نجح بعد تسع سنوات من تنفيذ هذا الفيلم بالتعاون مع ممثلين هواة وحطم فيلمه «تغليف» شبابيك التذاكر في أنحاء المدن الأوروبية ولم ينس رشيد نصيحة بيتربروك المخرج المسرحي البريطاني الكبير الذي عمل معه رشيد خمس سنوات كممثل لأدوار في مسرحيات هاملت وإلزي وغيرها... وحيث قال له بروك: الشخصيات هي من يصنع الديكور في المسرح والسينما على حد سواء.‏

خاض رشيد تجربة مراهقي أحياء المهاجرين العرب والأفارقة في فرنسا ومعاناتهم ففشل في دراسته بداية بعد أن حمله والده مسؤولية تسع شقيقات فعمل رشيد في ورشات البناء حيناً ثم في رياضة الملاكمة حيناً آخر ثم عاد للدراسة واكتشف الإخراج السينمائي المسرحي فانخرط كتقني في تنفيذ فيلم «الحقد» للمخرج ماتيوكاسو ثم انتقل إلى التمثيل في فيلم «نافارو» إضافة لانصرافه لكتابة السيناريوهات والرواية، حيث وصف فوق صفحاتها أحياء المهاجرين الواقعة في ضواحي المدن الفرنسية والإسبانية وفيها ترعرع واكتسب خبرته الحياتية وعصاميته.‏

ولم يكن رشيد قد تجاوز سن الخامسة والعشرين حين رآه بيتر بروغ الدراماتورجي العالمي مدير أشهر مسارح فرنسا وبريطانيا على امتداد نصف قرن، فطلب بروغ منه المشاركة في فرقته المسرحية وقبل رشيد العرض فساهمت تلك التجربة الفنية في تغيير مسيرته وتوجهه إلى الكتابة التي شكلت طوق نجاته من الفقر والتشرد ثانية.‏

اليوم يسعى دجيداني لتحويل كتاباته الناطقة بلسان حال مدن الصفيح إلى أفلام سينمائية على غرار «تغليف» الذي صور خير تصوير معاناة المهاجرين الأفارقة في بلاد الاغتراب الباردة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية