تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تحديات الجغرافيا الاقتصادية لشــرق آسـيا والقلق الأميركـي

مساحة للرأي
الأحد 6-1-2013
بقلم د. قحطان السيوفي

يبدو أن مشهد التحولات السياسية الجارية في منطقة شرق آسيا يشير إلى لحظة فارقة في الجغرافيا السياسية والاقتصادية  المتوترة لهذه المنطقة الهامة من العالم في وقت اختار عمالقة الاقتصاد في شرق آسيا قادة جددا .. الصين اختارت زعيماً لها ؛

ابن الزعيم الصيني الشيوعي الذي اشتهر بنضاله ضد اليابانيين لطردهم من الصين. في اليابان عاد الحزب الليبرالي الديمقراطي اليميني إلى السلطة واختار رئيساً للوزراء  (آبي ) وهو حفيد وزير ياباني فعال وقت الحرب . أما في كوريا الجنوبية فقد فازت( جيون .هـ. بارك) من حزب يمين الوسط وهي ابنة الزعيم الذي استولى على السلطة عام 1961 وحتى اغتياله عام 1979 واشرف خلال تلك الفترة على صعود كوريا الجنوبية اقتصادياً . ولاشك أن وجود قادة جدد في واحدة من المناطق الأكثر توتراً في العالم قد يؤدي إلى احتمال الوصول إلى حافة الهاوية ...العلاقات الثنائية بين الدول الثلاث مريرة , ولايمكن توقع تطوراتها ؛ العلاقة بين الصين واليابان الأكثر تقلباً بسبب النزاع على جزر (سينكاكو) غير المأهولة التي تسيطر عليها اليابان...وترغب الصين استعادتها في إطار التخلص من الإذلال التاريخي .  العلاقة بين كوريا الجنوبية واليابان  قد تزداد سوءاً مع وصول الزعيمين الجديدين على خلفية اتهامات تاريخية لممارسات الجيش الياباني...وستسعى واشنطن لتشجيع التعاون بين الدولتين الحليفتين لأمريكا ...السؤال هل يستطيع الزعماء الثلاثة الجدد إعادة رسم خريطة التجارة العالمية من خلال إبرام اتفاقية تجارة حرة تضم على التوالي : الصين ثاني أضخم اقتصاد في العالم , اليابان ثالث أضخم اقتصاد , وكوريا الجنوبية ثاني عشر أضخم اقتصاد على مستوى العالم ؟ وهذه الدول الثلاث يبلغ عدد سكانها (1,5) مليار نسمة ... ونجاح هذه الاتفاقية يعني تقزيم الاتحاد الأوروبي , واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية ( الولايات المتحدة , كندا, والمكسيك) . التوقعات تشير إلى أن موازين القوة الاقتصادية في القرن ال 21 ستنتقل من الغرب إلى الشرق. المخاوف الغربية بشكل عام ,والأمريكية منها بشكل خاص ؛ ترجع إلى مشهد جيوسياسي  حصل في القرن العشرين , وهو هيمنة الغرب على الشعوب الأقل نمواً , وهذا ما عفا عليه الزمن. الواقع يشير إلى أنه إذا زاد النمو الاقتصادي الآسيوي , فإن الاستهلاك في المنطقة سيزداد...خاصة مع أخذ المجتمعات الآسيوية بالمقاييس الغربية لأساليب العيش في مجال الطاقة , والغذاء , والتقنيات ...ولكن ليس من الممكن أن يستهلك الآسيويون بالطريقة التي يستهلك بها الغربيون لأسباب عديدة لامجال لذكرها هنا . بالمقابل نرى أنه من الصعب أن تطبق دول شرق آسيا , فكرة النمو القائم على الاستهلاك كحل وحيد .وبالتالي يجب على الغرب أن يدرك أن نظامه الاقتصادي القائم على أساس الاستهلاك قد استنفد موارد العالم , وهذا خيار غير مناسب لدول شرق آسيا التي تسعى لإيجاد مجتمعات أكثر مساواة ... التحولات السياسية الجارية في شرق آسيا تتطلب إقامة توازن إقليمي للقوى والتخلص من الحمل التاريخي الذي يثقل كاهل العلاقات بين دول المنطقة الثلاث. من الناحية العملية فشلت التجارة المزدهرة لشرق آسيا في حل أو تهدئة النزاعات الإقليمية ...وإطلاق العنان لممارسات حافة الهاوية ...وفي رأينا أن الترابط الاقتصادي المتبادل غير قادر على توفير الاستقرار الإقليمي ما لم تتعهد الدول المتنافسة ببذل جهود حقيقية لإصلاح العلاقات السياسية فيما بينها وهنا يبرز الدور الأمريكي غير البريء..., والمثير للقلق , والذي يتأرجح بين تعاطف الولايات المتحدة  السياسي مع حلفائها ؛اليابان وكوريا الجنوبية , ومصالحها الاقتصادية الكبرى مع الصين (الأصدقاء الأعداء),  وهو ما دفع الرئيس الأمريكي أوباما إلى إبلاء أهمية خاصة في العام 2013 لما سمي محور المصالح السياسية والاقتصادية لشرق آسيا , وهو مايثير قلقاً شديداً لإدارة أوباما الثاني خاصة مع وصول قادة جدد متشددين في الدول الثلاث .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية