تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القديم - الجديد لتهويد فلسطين

شؤون سياسية
الأحد 19/10/2008
د. جهاد طاهر بكفلوني

قد تبدو مقولة (التاريخ يعيد نفسه) مفتقرة إلى الحجة العلمية التي تجعلها قادرة على الصمود في وجه النقد, لكن القيام بعملية تمحيص دقيق لما تنطوي عليه هذه المقولة من مدلولات, يلقي في عقولنا ظلاً من اليقين الذي يبدأ ببسط أفيائه تدريجياً لنسكن إليها.

هذه المقولة تفرض نفسها اليوم بقوة, وتكاد تزعم أن الطريق مفتوح أمامها وفي الاتجاهات كلها لتفسير مايجري في مدينة عكا الفلسطينية الباسلة.‏

وسائل الإعلام الإسرائيلية ذات الباع العريض الطويل في الكذب والتضليل تسعى جاهدة لتصوير الأمور على نحو يبتعد عن الحقيقة بمسافات تتجاوز السنوات الضوئية ترامياً وامتداداً, ويحلو لها أن تصور الموضوع كخلاف بسيط نشب بين بعض العرب واليهود المتطرفين, والتطرف هنا كما تدعي الأبواق الإسرائيلية طين لازب انغمس اليهود والعرب على حد سواء فيه, فجرهم إلى تلك الصدامات العنيفة.‏

ما يجري اليوم في عكا يمت بجذور راسخة إلى ماجرى في فلسطين في العقد الثاني من القرن العشرين المنصرم, عندما أطلقت بريطانيا وعدها المشؤوم الذي حمل اسم وزير خارجيتها (آرثر بلفور) عام 1917, وفتحت الأبواب أمام الهجرات اليهودية المتتابعة إلى فلسطين العربية, وانطلقت المحاولات البريطانية المحمومة لإقامة وضع ديمغرافي جديد لكي تميل كفّة الميزان لمصلحة اليهود من حيث عدد السكان, وشهد التاريخ يومئذٍ مؤامرة من أقذر المؤامرات التي عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل.‏

بعد تدفق الموجات البشرية اليهودية على أرض فلسطين العروبة وبتدبير بريطاني قذر, كان الصدام مع اليهود قدراً واجهه العرب بكل بأس وشجاعة, لأن الفلسطينيين أدركوا حجم المؤامرة ومايراد بهم, وسقطت قوافل الشهداء دفاعاً عن عروبة فلسطين وطهر ترابها.‏

اليوم تقوم الشرطة الإسرائيلية بإخلاء مساكن العرب في عكا, والذريعة حرصها الشديد على حياتهم, لأن هذه الشرطة قرأت الشرر المتطاير في أعين المستوطنين الصهاينة, وعرفت أنهم عازمون على الاعتداء على السكان العرب وكانت الوسيلة المثلى لإنقاذهم من نار المستوطنين إبعادهم بشكل مؤقت عن مساكنهم, إلى أن يثوب المستوطنون إلى رشدهم وتخمد جمرات غضبهم, فيصبح التعايش مع الجيران الفلسطينيين أمراً يقدرون على ممارسته!.‏

لكن هذا الإبعاد المؤقت لن يكون مؤقتاً, لأنه في واقع الأمر مؤامرة تشرف الجهات الأمنية الإسرائيلية على توفير أسباب نجاحها, فالصهاينة المعتدون سيعمدون إلى احتلال مساكن العرب الفلسطينيين وبدعم واضح من الشرطة الإسرائيلية, وتظهر دعوى مساكن بلا سكان يقابلهم مستوطنون بلا مساكن, والحل لكي تصبح المعادلة صحيحة وفق المنطق الإسرائيلي يكمن بإحلال المستوطنين في مساكن العرب التي هجروها بمحض إرادتهم!.‏

ولنا أن نتساءل أليست هذه الدعوى صورة مصغّرة عن الدعوى الإسرائيلية بوجود وطن بلا شعب هو فلسطين, ووجود شعب بلا وطن هو الشعب اليهودي الذي هو خليط شديد التنافر من القوميات والإثنيات, ولايحمل عناصر قيام الدولة وخصائصها المعروفة في علم الاجتماع والسياسة? وللتذكير فإن (إسرائيل) هي الكيان الوحيد القائم على أساس الدين!.‏

اليوم يتحرك المستوطنون المتطرفون في عكا ويعتدون على السكان العرب الفلسطينيين سكان الأرض الأصليين, وتتدخل الشرطة الإسرائيلية لإبعادهم عن مساكنهم بحجة حمايتهم, وتمرّ المؤامرة القذرة فيظل الصمت الدولي المريب, وغداً تعطي الشرطة المستوطنين في القدس الإشارة لمهاجمة الفلسطينيين وتهجيرهم, وتعيد المشهد نفسه دون إجراء أدنى تعديل عليه في الضفة الغربية وفي كل مكان من فلسطين, وتبدأ عملية ترحيل العرب الفلسطينيين عن وطنهم لكي تستمر الحكومة الإسرائيلية في برنامجها القديم الجديد الساعي لتهويد القدس وكلّ مدينة وقرية في فلسطين.‏

ويرافق هذا التحرك المشبوه من قبل الصهاينة المتطرفين حملة إعلامية إسرائيلية تحرص على ضخ جرعات عالية التركيز في قلوب المستوطنين اليهود ليصبح كره العرب والتنفير منهم مرضاً أشد فتكاً, دواؤه الوحيد تهجير العرب من فلسطين ومصادرة ممتلكاتهم, واليوم كما في الأمس يلقن الحاخام اليهودي الأطفال اليهود كره العرب والفلسطينيين ويصورهم وحوشاً ضارية تهمّ بافتراس الطفل اليهودي, ويفهمهم أن التعايش مع العرب أمر لايمكن قيامه, ولابد لليهود إذا أرادوا العيش في (أرض الميعاد) من طرد العرب منها ليخلو لهم الجو ويحلو, وتكون حياتهم أمناً وطمأنينة!.‏

والفلسطينيون إزاء هذا العدوان الصارخ مطالبون وأكثر من أي وقت مضى, برصّ الصفوف وتوحيد الكلمة, والتفرغ لمواجهة العدو الذي لايريد بهم إلاالشر, وعليهم نبذ الخلافات وحشد الطاقات كلها, والضرورة لذلك ملحّة للتصدي للمؤامرة الإسرائيلية الجديدة التي بدأت في عكا, وسيكون خط سيرها ممتداً في الأراضي الفلسطينية كلها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية