|
ثقافة الفرق بين نفس الفنان ونفس العادي أن الفنان منتج حب ويحمي ميراثه الصغير بالأناقة والعهود الدائرة بين وعي وجوده ووعي التسامي, الأعلى من الوجود المادي الغريزي. مجدي حكمية يدخل في مدارات رؤاه, ويتحالف مع مخيلته لصالح صفاء ألوانه وأبهة البهجة والنضارة الروحية, التي تسعد بها نفسه, وتحاورها وتسعى وراءها. مجدي شاعر طفل في عباءة عاشق أو حطاب في غابة محبين أو ناسكٌ يرتب الألوان كما ترتب الصلوات والأدعية. في تكوينه وحضوره ونفسه بقايا طفولة وبراءة يراها كلّ من يلاقيه ويصغي إلى همس لوحاته وحرائقه... العاشق فيه يتآمر لصالح الخير والألفة والحب... و المرة بعد المرة والألفة بعد الألفة يعقد مؤامراته الصغيرة مع اللون الذي يريده أن يسقط على القماش... ويؤلف مؤامرات صغيرة كالدمعات والحروق الناتئة على جلد بدوي أو فلاح أو راعية أو حبيبة مؤامراته الصغيرة هذه تواجه وتتحدى وتتعدى حدود البشاعة الكبيرة. والسؤال الذي يطرح نفسه:كيف يحمي الفنان مؤامراته اللونية ورؤاه, وكم يحقق من الانتصارات والطيبة والألق الإنساني, وكم يقدر على مقاومة البشاعات التي صارت متمرسة بالأذى وطعن الفؤاد والألفة وصوت المحبين والرجاء?! الفن لا يقدم أكثر من أسئلة, ومؤامراته التي يصنعها لا تقدم إلا التحالفات المبدعة مع المخيلة. وبهذا يغدو الخيال الفني إنسانياً بامتياز وباحثاً عن الشغف والصورة الخلاقة. الصورة تغدو خلاقة حين تصعد من بروق النفس واهتماماتها, والألوان تتميز بهذه البروق وتعتد بها, ومن غير هذا التميز والاعتداد لا قيمة كبرى للخيالات والألوان... الفنان صديق بيئة الرؤى, ومعتكف باتجاه تأملاته وهواجسه, التي يراها أغنى ثروة يملكها, ولهذا الفنان صديق الوضوح والبؤس والعفوية, ومتآمر دائم على بشاعاته أولاً وعلى البشاعات الاجتماعية ثانياً... وحامل صليبه وسلم موسيقا القلق الجميل والمعذب أحياناً... مجدي حكميه من حسن حظه أنه يملك رصيداً طيباً من القلق النبيل والصديق, الذي لا يترك خراباً في النفس, ولا يتشابه مع سخط الواقع وخيبات المجتمع, بل هو قلق يصير ألواناً وغيمات سخية تسقي مطارح الوجد الإنساني وتغسل, كالمطر شجر الوقت والفارين من هزائم وقتهم وقلقهم الشقي... يضيف في كل لوحة برقاً إلى السماء المتلقي.. برق للأصدقاء وآخر للحزن, وبروق للأعمام والعمة والأقرباء الثاوين في أعالي شرفات البال, وعلى مقربة شوق أو عدة أشواق للتآخي والصفاء وحواريات الحب الإنساني الشاسع كحقول من ريح ومطر وعبير وبشر طيبين. الفن مصادرة واعية ومجنونة لوقت الصفاء والألفة الراقية... اللوحة تعلّق الزمن الحنون على عتبة البروق وتبقيه أوهو يدوم ويدوم وما على الفنان إلا الحب من حوله.. يستمر المعرض المقام في صالة السيد في دمشق حتى نهاية الشهر الحالي... لوحات تحشد التحيات اللونية للمتلقين, والفنان أمير من بروق وحنين وحاشيته التأملات والأماني الباذخة, ما أمكنها أن تكون باذخة وحنونة... الوقت الاعتيادي يُضيع ورود الروح, ويطل على يباسها, والوقت الذي يمسك به الفن واللون والسؤال يعزز ورد الروح في مواجهة الهلاك والغياب غير المبرر. اللوحات حضور مبرر يقصي الغياب غير المبرر عن دروس الصفاء وحواريات الوجدان المتآمر مع الحسن ضد البشاعة. محاولة هجرة طيبة باتجاه بروق الزمن المعلّق كصلوات المطر على كعبة الشجر البري وأغصان السماء. |
|