|
ثقافة نوع من تبادل الأدوار ابتدئت به المسرحية التي أخرجها مانويل جيجي عن نص: ليديا شيرمان هوداك تمثيل: فاديا سليمان.. ضمن فعاليات احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008م. فمن أماكن دخول الممثلين سيدخل الجمهور مرورا برقعة المسرح المتمركزة في المنتصف وصعودا نحو أماكنهم. فرش هذا الممر بأرضية صنعت من ثياب أو بقايا ثياب بألوان متنوعة ومختلفة وكأنما كانت توطئة تشي بالظروف التي جرت بها أحداث العرض وتوهم بالوقوف على شظايا وبقايا أشلاء بشرية. وربما جاءت خلفية تسرّب شيئا من سقطات تلك الذاكرة المنسجمة وغير المنسجمة بذات الوقت مع صاحبتها نتيجة هول وفظاعة الظرف الذي تولد فيه الحكاية بقع قماشية ملونة بتلاوين تداعيات تلك الذاكرة غير المستقرة. هكذا ستترك الممثلة بوابة ولوجها إلى الخشبة لتلج من المكان المخصص لدخول المتلقين فتتحول أنظارهم إلى الأعلى.. مراقبة وراصدة كيفية التحام ممثلتهم بالمشهد المسرحي... حتى يكتمل تواجدها في مركزه. هل تراه هذا التبادل في أماكن دخول المسرح كان مقصودا,إيحاءً ليس بتبادل الأدوار وحسب بل وصولا باتجاه تبادل الاحساس أو مشاركة الممثل احساسه- الحالة الانسانية التي يعبِّر عنها- إذا يرتكز محور العمل التعبير عن حالات انسانية ناجمة عن أوضاع لا إنسانية تتشبع بالقسوة والفظاعة المرتكبة من قبل الانسان باتجاه أخيه الإنسان... انقسامات.. نزاعات.. اغتصاب.. تدمير .. كره.. وبشاعة تنمُّ عن كل ما سبق تسربل واقع حياة من وقعوا ضحايا حروب أهلية بشاعة تتصاعد.. تتقافز في وجه أهلين يتحاربون يخلفون وراءهم ضحاياهم أشلاء آدمية وبقايا إنسانية. ضحايا تلك الحروب.. هم في كل الحالات (نحن).. خاسرين كنا أم منتصرين نعم ضحايا.. لأن الحروب لا تتقن إلا إنجاب الضحايا.. في (صوت ماريا) تنعكس تلك الأجواء بما فيها من تراجيديا وحالات انسانية مغرقة في شقائها وبؤسها .. عبر سرد حكاية (الأم ماريا) في زمن الحرب الأهلية وما خلفته من ويلات عليها وعلى ابنتها سواء أكان ما تعرضتا له اغتصابا ماديا أم معنويا نهاية هو نوع من هدر كرامة الإنسان وبطش لحريته. سينوغرافيا العرض وظّفت خدمة لايضاح تلك الأجواء إضاءة معتمدة خافتة غالبا مع وجود لحظات تكون فيها مركزة على الممثلة وأحيانا أخرى لكن قليلة تأتي أكثر سطوعا كما لو أنها صادمة منبهة لواقع حال.. تعيد لفجاجة اللحظة الواقعية المعاشة. بالإضافة إلى وجود تلك اللوحات القماشية ذات الوجود اللاواقعية حادة الملامح.. الشاخصة والمتربصة بقسوة وزعت بحيث أحاطت ب (ماريا) فكأنها وجوه أولئك المغتصبين الذين مازالوا يغزون ذاكرتها ويهددون طمأنينة روحها باستمرار. على الرغم من أن العمل يحكي حكاية المرأة (الضحية) إلا أنه يحمل ادانة واضحة لكل أشكال العنف .. الذي هو ليس عدو المرأة وحدها بل عدو الإنسانية قاطبة. الأسلوبية الاخراجية التي اعتمدت بداية دخولا (للممثلة والمتفرجين) قلبت فيه الاتجاهات.. ركزت بذات الوقت على تماس مباشر شديد, أكثر من مرة ما بين (فاديا سليمان) والجمهور إنها تقترب من أماكن جلوسهم تبحث تحت مقاعدهم تلامسهم وسوف تشخص عيناها أحيانا أخرى وبصورة مباشرة مدهشة في عيونهم .. تتلاقى النظرات.. إلى أن تتمكن من بث حالتها إليك.. مع ملاحظة خفة في الحركة ستحسب لفاديا على أن السرعة في الانتقال من ذروة درامية إلى أخرى قلل من إمكانية وجود تلك الفواصل الساكنة- صوتيا- التي كان من الممكن أن يكون لها دور هام في الغوص داخليا إذ كان ايقاع العرض متماشيا أكثر مع عنصر الحركة والانفعال الظاهري على حساب لحظات تأمل وسكون كانت قليلة. ولهذا سنلاحظ وجود تدفقات لمقاطع كلامية كاملة دون أخذ الممثلة نفسا عميقا -فاصلا- يمهد للتالي. |
|