|
ثقافة وكان من الطبيعي أن أقرأ بعض مؤلفاته التاريخية, ولكن لم يسبق لي شرف الالتقاء به قبل عام 1981.في خلال الشهر الأول من ذلك العام, وكنت أعمل عندئذ أستاذا للقانون الدولي في جامعة الدار البيضاء/المغرب, وأكتب بانتظام في جريدة ( الشرق الأوسط) التي تصدر في لندن, تلقيت دعوة للمشاركة كإعلامي في مؤتمر القمة الإسلامي الثالث, الذي سيعقد في مدينة الطائف أواخر ذلك الشهر. تم استقبالنا بحفاوة في مطار مدينة جدة, وقضينا ليلتنا الأولى في أحد فنادقها الفخمة, وفي اليوم التالي تم نقلنا إلى المركز الإعلامي في مدينة الطائف حيث سيعقد المؤتمر, ووجدنا هناك حشدا كبيرا من الإعلاميين الذين جاؤوا من شتى أصقاع العالم. وبعد تناول طعام العشاء بدأ توزيع هؤلاء على ( مراكز الضيافة), وهي منازل مفروشة مخصصة أصلا للضباط, وجرى إيواء كل أربعة إعلاميين في واحد منها. وطالت فترة انتظاري دون اهتمام أي عضو من أعضاء اللجنة التنظيمية بتعيين المكان الذي أبيت فيه, وعندما راجعت في ذلك قال لي رئيس (لجنة الإيواء): - (أرجو أن تنتظر يا دكتور, أنت والدكتور حسين مؤنس- وأشار عندئذ إلى شيخ جليل كان يجلس في أحد أركان الغرفة- سوف تبيتان في فندق فخم, وسننقلكما إليه بمجرد انتهائنا من إيواء الإعلاميين) واغتنمت الفرصة للتعرّف بالدكتور حسين مؤنس حيث قدمت له نفسي وذكرت له أسماء بعض كتبه التي قرأتها, وذكر لي هو بالمقابل بعض المقالات التي سبق أن قرأها لي في جريدة (الشرق الأوسط) ومجلة (الفيصل). وكانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة مساء حين انتهت (لجنة الإيواء) وعندما طلبنا من رئيسها تعيين اسم الفندق الذي حجز لنا فيه أفادنا بأن الفندق يقع على طريق جدة ويبعد حوالي 35 كيلو مترا عن الطائف ثم أعطى تعليماته إلى السائق بأن يوصلنا إلى (فندق الهدى) فامتطينا السيارة الى هناك. وفي الفندق كانت المفاجأة الثانية حيث أعلمنا مديره المسؤول بأن الغرف التي تحجز بواسطة الهاتف ضمن المملكة يلغى حجزها إذا لم يصل أصحابها قبل الحادية عشرة, وأنه اضطر لإعطاء الغرفتين المحجوزتين باسمينا إلى غيرنا بسبب ضغط الزبائن! وقد تكلم السائق مع مدير الفندق وأفهمه حساسية الموقف, وأنه ليس من المعقول ولا المستحب أن يعيدنا بعد منتصف الليل إلى الطائف من جديد, فهرش المدير رأسه وقال: -ليس هناك إلا حل واحد وهو إعطاؤهما غرفتي لهذه الليلة فقط, وسأعمل على وضع كل منهما في غرفة فاخرة صباح يوم غد! ورضينا بهذا الحل- لأنه لم يكن أمامنا حل آخر- وتوجهنا الى غرفتنا المشتركة, بينما كانت علائم التعب تظهر علينا بشكل واضح. كانت الغرفة تضم سريرين عريضين وحماما فخما, وسرعان ما ارتدى الدكتور مؤنس لباس نومه واحتل أحد السريرين. أما أنا فغالبت النعاس قليلا لأنني كنت أشعر بالإحراج دوما عندما أنام مع شخص ثان في غرفة واحدة , والسبب في ذلك أنني أعاني من (انحراف الوتيرة) في أنفي, وهذا ما يجعلني أشخر وبشكل مميز بمجرد أن أنام!! وأشفقت على ذلك الشيخ الجليل, الدكتور حسين مؤنس, من إزعاجه بشخيري المدوي, بعد قضائه ذلك اليوم الطويل المرهق, فتذرعت بأني سأدخل الحمام »لأخذ دوش فاتر) قبل الإيواء إلى السرير, وأنني أنصحه بالإخلاء الى النوم فورا للتعويض عن التعب الذي تعرضنا له! تعمدت أن أطيل المكوث في الحمام أكثر من نصف ساعة, وعندما خرجت منه إلى الغرفة سمعت صوتا لم أسمع مثله في حياتي: صوتا يشبه الدوي الذي تحدثه السفن العتيقة عندما تقلع وقبل انتظام سيرها في عرض البحر! كان ذلك صوت شخير زميلي في الغرفة, الدكتور حسين مؤنس, وقد اكتشفت عندئذ أن شخيري لا يزيد عن كونه من طبقة »ربع الصوت) إذا قيس بالسمفونية الكاملة التي أجبرت على سماعها طيلة تلك الليلة الليلاء! وفي صباح اليوم التالي نفذ السيد مدير الفندق ما وعد به فوضع كلا منا في غرفة مستقلة, ولكننا كنا نلتقي يوميا طيلة مدة المؤتمر. وبعد نهاية هذا المؤتمر قمنا معا, الدكتور مؤنس وأنا بأداء فريضة العمرة, ثم انطلق كل منا إلى مقر عمله, هو إلى القاهرة وأنا إلى مدينة الدار البيضاء, وقد بقينا نتراسل حتى سمعت بخبر وفاته رحمه الله. |
|