تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أنفاق...

الافتتاحية
الاحد 19/10/2008
بقلم رئيس التحرير أسعد عبود

ورد في تقرير للأمم المتحدة أن الأنفاق التي يقيمها الفلسطينيون بين أرضهم في غزة والأراضي المصرية هي شرايين حياة يستطيع الفلسطيني من خلالها أن يحضر بعض ضرورياته من أدوية وحليب أطفال وبعض الأغذية.

لم تُقيّم الأمم المتحدة العدالة في أن يزحف إنسان عبر نفق ليحصل على ضروريات الحياة?! غالباً هي حزينة من أجل هذا الإنسان.. لكن.. العين بصيرة واليد قصيرة!.‏

مشكلة الفلسطيني الزاحف في الأنفاق من أرضه في فلسطين إلى أرضه في مصر كي يحصل على بعض ضروريات الحياة.. أن معركته مع (إسرائيل).. وهذا يعدّل من حسابات العالم ومنظماته ومؤسساته إلى درجة يبدو فيها الظالم المعتدي المفتري القاتل بريئاً وضحية, وتغدو الضحية عامل فتنة وتعدّ وإرهاب..?!‏

ليس الفلسطيني وحده الذي يواجه هذه المشكلة, حيث الأصل فيها (إسرائيل), وتتجسد باضطراره للعبور من أرضه إلى أرضه عبر نفق, هم يشددون عليه الحصار لأنه يرفض ويقاوم, فتزداد حالته سوءاً ومعركته سخونة.‏

في حياتنا العربية, معظمنا يعبر من أرضه العربية إلى أرضه العربية عبر أنفاق, هي ليست محفورة بالرمال كما في حالة أنفاق غزة, بل محفورة في الأفق.. محفورة في كل أشكال ممارسة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. ومحروسة.. محروسة جيداً... محروسة بإرهاب فكري وسياسي وعملياتي يمارسه دهاقنة السياسة في العالم من أجل صيانة هذه الأنفاق والحفاظ عليها كي تبقى دائماً طريق العبور الوحيد, وكي نبقى دائماً من أرض عربية إلى أرض عربية نزحف في أنفاق.‏

التواصل في الحياة لنظامنا العربي يتم عبر الأنفاق, والتواصل في الحياة لنظامنا الإقليمي يتم عبر أنفاق, جدرانها أسمك, وأستميحكم العذر لتعبيري: النظام العربي, والنظام الإقليمي اللذان أوردتهما, هي تسمية لإراحة الكاتب والقارىء.. تسمية بلا مسمى, فليس في الحياة السياسية والاقتصادية وغيرها في المنطقة خصائص لنظام عربي أو إقليمي, لأن التواصل بينها يمر عبر أنفاق, وهذا يمنع قيام النظام العربي أو النظام الإقليمي.‏

لماذا الأنفاق..?!‏

كي لا يسمع أحدنا صوت الآخر..‏

كي نسير على ضوء شموع خافتة في أيد مرتجفة.‏

وإلا كان اللقاء على الأرض المنبسطة السهلة الواضحة, تُطرح عليها كل القضايا التي تؤرق فصائل النظام العربي وأيضاً فصائل النظام الإقليمي, وهذا ما لا يرضي حفاري ومروّجي الأنفاق وفارضيها على حياتنا.‏

ها هي الدنيا تنام وتصحو على أصوات الانهيارات تأتينا من البعيد, وتأتينا من القريب, من جنب الأذن وأمام العين, ونبدو كأن لا حياة بنا!.‏

لم نجتمع عربياً, ولم نجتمع إقليمياً لنواجه الانهيار, ربما هناك تخاطبات عبر الأنفاق, وعبر أنفاق أخرى نتواصل مع قوى العالم, أما أن نكون واضحين نلتقي على السطح الفسيح للأرض, فنكتشف كم هي سهلة مشكلاتنا.. وكم لدينا من قدرة في هذه المنطقة من العالم لتجاوز مآزق تُصنع لنا, وننظر إليها كأنها أصل وجودنا?!‏

ليست الخلافات بين شعوب المنطقة عموماً وبين العرب خصوصاً هي أصل وجودنا.. لا الدينية ولا القومية ولا المذهبية, ولا هي مجتمعة. وما اصطدم طرف بآخر على أي صعيد كان إلا كي يفتح ثغرة يمرّ منها (مصلحٌ) من الخارج هو نفسه الذي روَّج لنا أفكاراً نعتبرها أصل وجودنا?!‏

العالم يغلي.. ويجتهد ويبتكر كي يخرج من المتاهة..‏

ونحن العرب..‏

نحن أبناء المنطقة..‏

ماذا ننتظر..?!‏

أن يصدّروا لنا ما وصلوا إليه?! ألم يكفنا ما صدروه لنا من نظرياتهم الفاسدة..?!‏

هل سنسمع صوتنا يوماً..?!‏

a-abboud@scs-net.org‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية