|
فضاءات ثقافية التي تتناول نظرية اللعب وعلاقته بالثقافة الإنسانية والتطور الحضاري على مرّ العصور. أصدر مشروع «كلمة» للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة كتاباً جديداً بعنوان «ديناميكية اللعب في الحضارات والثقافات الإنسانية» ليوهان هوتسينغا ونقله إلى العربية الباحث صديق جوهر. يقف هذا الكتاب من الناحية الفكرية موقفًاً علمياً وفلسفياً خاصاً يتمثل في افتراض أن اللعب هو أساس الحضارة وأنه الأقدم عهداً والأعمق أصلاً من الحضارة ذاتها، وعلى امتداد فصول الكتاب وظّف المؤلف لتحليل الموضوع العديد من مناهج وأدوات البحث والتحليل التي تراوحت بين التحليل الأنثروبولوجي والتحليل الاجتماعي والثقافي والتاريخي. وأكد الباحث منذ بداية الكتاب وإلى نهايته أن عامل اللعب كان حاضراً وفعالاً على الدوام خلال مسيرة الحضارة والثقافة، وأنه علة ظهور الكثير من الأشكال والقوالب الرئيسية في الحياة الاجتماعية إذ إن روح التنافس الكامنة في اللعب كحافز اجتماعي هي أقدم من الحضارة والثقافة معًا. تأثر هوتسينغا في هذا الرأي بعلمي الأخلاق والفلسفة الأفلاطونية المحدثة. وعلى الرغم من إلمامه بعلم فقه اللغات الإندوأوروبية وتأثره بدراسة لغة المندرين وهي لغة البلاط الصيني القديم إلا أن مقاربة هوتسينغا لموضوع اللعب كانت تعتمد على علم اللغويات. فالعديد من اللغات تتشابك وتتداخل وتتشابه في تعريف اللعب على أنه مجموعة من المباريات أو المنافسات أو الأحداث ذات الطابع الطقوسي. وحسب تحليل هوتسينغا لديناميكية اللعب فإن الحضارة لم تخرج من عباءة اللعب كما يخرج الوليد من رحم أمه, ولكن الحضارة ذاتها نشأت باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من اللعب واستمرت هكذا إلى يومنا هذا. لقد كانت العادات الثقافية في العصور الوسطى والتقاليد التي أفرزت فن العمارة الباروكي في القرن السابع عشر وفن الزخرفة الركوكي أو «الروكوكو» في القرن 18 مفعمة بعنصر اللعب. أثناء هذه العهود السعيدة كان التطور الاجتماعي من الأمور التي تستلزم احتفاليات ومهرجانات دائمة. وظلت فكرة اللعب تراود البشر حتى إبان القرن 18 في ظل انتشار الفنون والعلوم السياسية وظهور الأزياء والملابس الرسمية، وكان هناك تناغم بين كل هذه الأشياء والطبيعة المحيطة. أما في القرن 19 فقد فسدت الحضارة بعدما ارتدت أوروبا بأسرها «حُلة المرجل» أو بمعنى آخر بعدما دخلت الثورة الصناعية إلى أوروبا. وهكذا أصبحت المعطيات العلمية والطموحات التعليمية والوعي الاجتماعي من المكونات الرئيسية للحضارة. يذكر أن مترجم الكتاب الباحث صديق محمد جوهر هو رئيس قسم الأدب الإنكليزي بجامعة الإمارات العربية المتحدة. له العديد من الأعمال والكتب المترجمة من اللغتين الإنكليزية والعربية في شتى المجالات. |
|