|
عن لوموند أما الشعبية الواسعة التي اكتسبتها تلك الظاهرة فكانت على صعيد الرواية بشكل خاص ولعل أشهر تلك الروايات رواية «على ضفاف الماء» للأديب الصيني الكبير شي ناي آن وهي رواية من القرن الرابع عشر يعاد إصدارها اليوم وترجمتها إلى اللغة الفرنسية حيث صدرت مؤخراً عن دار غاليمار.
تغوص هذه الرواية الفريسك (لوحة شاملة) في عالم العنف والسياسة والفروسية واللصوصية والإرهاب والعدالة، وتقوم أحداث هذا العمل الذي يزيد على ألفي صفحة على تأريخ محطات من حياة بلاد الصين قبل قرنين من تدوينها حين قامت حركات تمرد في المناطق الشمالية من الصين خلال مرحلة من مراحل حكم سلالة السونغ أيام الامبراطور هوي سونغ وتكاد تلك الحركات تشبه إلى حد بعيد أعمال الفوضى والإرهاب التي تندلع في أنحاء متفرقة من العالم اليوم حيث يبدو جيش الامبراطور يتمتع بأخلاقية عالية ويتميز بفروسية وجاهزية قتالية يواجه لصوصاً ومرتزقة هدفهم تدمير الامبراطورية وضمن هذا المحور تدخل أساطير شعبية انتشرت في القرن الثاني عشر للميلاد في تلك البلاد وتستمد الرواية شرعيتها من القص الشفهي المتناقل شمال الصين أيضاً تناقلته عروض مسرحية خلال الاحتفالات الشعبية والمهرجانات الموسمية في تلك البقاع التي انتسبت لأدب تم تدوينه فيما بعد كما في رواية «على ضفاف الماء» ولم تدون تلك المحطات من حياة المجتمع القروي والمدني بلغة المانداران إنما بلغة محكية وأحياناً سوقية لكنها مفهومة من قبل المؤرخين وعلماء اللغة الصينية. عاش الأديب شي ناي آن مطلع القرن الرابع عشر في الفترة التي كانت فيها إيطاليا تتعرف على بيرترارك والكوميديا الإلهية والسرد الروائي وقد تعرض نص الرواية الأصلي لتنقيحات وإضافات أدخلها الكاتب جين شنغ تان في القرن السابع عشر. وتقدم أحداث الرواية في أغلب مواقعها وخاصة في مقاطعة شان دونغ حيث تنشر المستنقعات الشمالية من البلاد صورة متكاملة عن ذاك الزمن تتميز بنكهة شعبية خاصة فهي تجمع بين بطولات فرسان الامبراطور وبين لصوص وقراصنة يعيثون فساداً وعنفاً في تلك المناطق وقد تمت قراءة فصول هذا العمل أمام مستشاري الامبراطور الصيني في ذلك الوقت نظراً لما يتضمنه من نصائح استراتيجية رغم صخب الرواية بأكلة لحوم البشر وباللهجات التي اندثرت أو تكاد تندثر اليوم وبمراجع ثقافية تعود لزمن غابر. لقد استمرت قراءة رواية الفروسية تلك على مدى خمسة قرون متتالية دون انقطاع وصولاً إلى عصرنا الحاضر ذلك أن طابعها القروسطي يقف وراء شهرتها وانتشارها واليوم يترجمها إلى الفرنسية المختص باللغة الصينية جاك دار وقد شبهها بأعمال الكسندر دوماس وفيكتور هيغو كما قال إنها تقترب من قصص ألف ليلة وليلة فأبرز شخصياتها ووسونغ البطل المغوار الذي يواجه النمر بيديه العاريتين مستخدماً تقنية الكونغو وسواها من فنون القتال الصينية التقليدية أما النصائح فتكاد لا تخلو منها صفحة من صفحات الرواية، وعلى سبيل المثال تلك التي تقول: يا قرائي اسمعوا جيداً إن نساء الأرض جميعاً يبكين بطريقة متشابهة عندما تكون الدموع حاضرة والنهدات وشهقات النحيب وعندما تذرف الدموع بصمت أو تندب بصوت مرتفع وتسمى الطريقة الأولى «كو» والثانية «كي». أما على صعيد التكتيك الحربي فيذكر كاتب العمل أن القتال والمبارزة يعود إلى زمن المحارب «كونغ مينغ» أيام سلالة الهان وكانت عملية المبارزة تبدأ من انتظار العدو حتى يتحرك من موقعه ويهاجم عندما تصبح المواجهة إلزامية وهي الطريقة التي اعتمدتها الفلسفة الطاوية كما هو معلوم. |
|