تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لمواجهة فوضى البث.. الإعلام للتنمية و ليس للتسلية

شباب
الأحد 7-4-2013
 منال السمّاك

نعمة أم نقمة؟ كثيرون يوجهون أصابع اللوم لتلك الصحون اللاقطة التي أقحمت الفضائيات إلى عقر دارنا، و البعض يتهمون الأنترنت و شبكات التواصل الاجتماعي بإفساد الشباب العربي ومحاصرته

بأنماط سلوكية غريبة للتمرد على عاداتنا وتقاليدنا، وجيل الفيس بوك بات لقب الشباب في عصر الثورة الإعلامية.. فضاء مفتوح بلا حدود، وفوضى إعلامية باتت تنذر بعاصفة تتهدد شبابنا ومجتمعاتنا العربية، مختصون اجتماعيون استشعروا الخطر وطرحوا موضوع (الإعلام و الشباب) في ندوة حوارية ضمن سلسلة ندوات الثلاثاء الاجتماعي الأسبوعية و ذلك في قسم الاجتماع في جامعة دمشق، والتساؤل المطروح.. كيف نحميهم من سلاح ذي حدين يحمل من الخير بقدر الشر؟‏

كي لا يكونوا الضحية..‏

الدكتور أديب عقيل أشار في محاضرته (الإعلام العربي و أثره في ثقافة الشباب) إلا أن الإعلام اليوم بات يسيطر على أذواق الناس و عقولهم ونتيجة لذلك أصبح الشباب ضحية سهلة للغزو الثقافي و الفكري ، فسيطرت الثقافة الغربية من خلال البث الفضائي الغربي على تفكيرهم و حياتهم من لغة و موسيقا صاخبة و لباس و علاقات اجتماعية ما يهدد الهويات القومية، في محاولة لترويج السلوك الاستهلاكي من خلال التطبيع الالزامي القهري الذي تساهم به الفضائيات العربية، في حين تبتعد عن القضايا الجوهرية والمصيرية، بل و تسعى إلى تشويه العادات و التقاليد و تعمل على إضعاف الشعور بالمسؤولية و اهتزاز الثقة بالنفس.‏

ويرجع د. عقيل الأزمات التي تعصف بشبابنا إلى سيطرة الإعلام الغربي والفوضى المهيمنة على فضائنا العربي، و لمواجهة ذلك اقترح ضرورة تطوير البرامج التي تقدمها القنوات التلفزيونية العربية لمنافسة البرامج الوافدة، والسعي لإبراز مقومات البنية الاجتماعية الأخلاقية للثقافة العربية، وإيجاد نتاج ثقافي و إعلامي عربي مشترك لتوكيد الحق العربي، والحد من عرض البرامج الأجنبية الهابطة، و العمل على نشر الثقافة العربية للأجيال التي تعاني فراغاً فكرياً تسهم به الكثير من الفضائيات العربية بما تقدمه من برامج سطحية و دعائية، إضافة للحفاظ على القيم الثقافية و الوطنية وتدعيم الاحساس بالمواطنة و الانتماء و المشاركة في بناء الوطن و الشعور بالمسؤولية، كما ينبغي اعتماد الاعلام كوسيلة تنموية و ليس للتسلية، والعمل على تنظيم البث التلفزيوني للحد من جو الفوضى والاستباحة، وحماية المشاهد من خلال الرقابة على كل ما يخالف واقعنا وأعرافنا.‏

البرامج لا تعكس مشكلات الشباب‏

الإعلام سلاح ذو حدين يبني و يهدم.. هكذا وصفته الدكتورة أمل حمدي دكاك رئيسة قسم علم الاجتماع، و رأت أن شبابنا يواجهون اليوم أكثر تحديات الوجود خطورة تتمثل في عولمة ثقافية إعلامية تهدد ثقافتهم، فهناك وسائل إعلام متعددة أخذت منا شبابنا و تسعى إلى تذويب الثقافة العربية و هدم مكوناتها و قيمها المجتمعية، ضخ إعلامي على مدار أربع وعشرين ساعة و برامج متعددة و مسلسلات غربية و تركية و أعمال درامية أكثرها تجاري و قلة منها تحمل شيئاً من القيم، إذاً ماذا نفعل أمام هذا الغزو الفضائي الإعلامي و الفكري و كيف نحصن شبابنا من هذا الوافد؟‏

تتوجه د. دكاك بالعتب على البرامج التلفزيونية المخصصة للشباب متهمة إياها بالتقصير، فالمساحة البرامجية المتوجهة لهذه الشريحة متواضعة ليس من حيث الكم فقط بل من حيث المضمون أيضاً، فالبرامج الشبابية تحاول اختراق الأسرة العربية و تمرير قيم بعيدة عن قيمنا العربية، بينما لا تعمل على طرح قضايا الشباب و مشكلاتهم للفت النظر إليها والعمل على معالجتها كالعمل و البطالة و الدراسة و الزواج و تأمين السكن والمخدرات و الانحراف، كما أن الأعمال الدرامية لاتعكس الواقع وتعتمد على النصوص المربحة تجارياً و قليلة هي الأعمال التي تلفت إلى الشباب و تخدم القضايا القومية و الوطنية.‏

وطرحت د. دكاك تصوراً لرسالة إعلامية تتوجه إلى الشباب من خلال إيجاد برامج تساعدهم في التعبير عن آرائهم و طرح مشكلاتهم و السعي لإيجاد حلول لها، و فتح حوارات و ندوات لتوعيتهم بقضايا مجتمعهم الاجتماعية و الوطنية و السياسية و الأخلاقية، و اهتمام كتاب الدراما بالنصوص التي تخدم قضايا المجتمع و الشباب، كذلك التركيز بالأغنية على القيم الانسانية و الوطنية و الاجتماعية، و ذلك بمساعدة لجان متخصصة يشارك فيها تربويون و إعلاميون.‏

لنستفد من الإيجابيات‏

وكان للدكتور عزت شاهين وجهة نظر خاصة نوعاً ما حيث يرى أن هذه الوسائل هي نعمة و نقمة معاً، و لا يمكن الحديث عن سلبياتها وتجاهل إيجابياتها و الخوف من الغزو الثقافي الذي يفسد الثقافات الوطنية والهويات القومية ينبغي ألا يمنعنا من الانتفاع من هذه الوسائل الحديثة، فالتطور غير المسبوق بالفضائيات و الانترنيت و الفيس بوك رافقه زيادة في أعداد المتفاعلين و المستخدمين، بينما هناك شبه انعدام لإمكانية التحكم بسيل المعلومات و إمكانية حجبها أو ضبطها، كما أن خطورتها تكمن في شريحة الشباب الأكثر استخداماً و تفاعلاً نظراً لارتفاع الاحساس بالذات لديهم و كونهم الأكثر تمثلاً للثقافة و القيم الوافدة تحت مسمى الحداثة والعصرنة، في حين يدأب الغرب منذ زمن لتسخير هذه الوسائل الإعلامية لإحداث تغييرات مقصودة في بلدان العالم الثالث و الشريحة المستهدفة هم الشباب، يقابل سلبيات الإعلام الحديثة مجموعة من الايجابيات يجب الانتفاع منها بالتوازي مع العمل على رفع ثقة الشباب بأنفسهم وبمستقبلهم وتعزيز انتمائهم لوطنهم واشراكهم بصنع القرار و تحسس مشكلاتهم وحلها لتحصينهم من الهجوم الاعلامي الغربي.‏

محاربة العدو بنفس السلاح‏

اعترضت إحدى الشابات عن ظلم شريحة الشباب و وصفهم باللامبالاة وانعدام المسؤولية و توجيه أصابع اللوم لهم لانصرافهم لأوقات طويلة إلى صفحات الأنترنيت و الفيس بوك، و دافعت عن أبناء جيلها الذين دأبوا خلال فترة الأزمة على إيضاح حقيقة ما يجري في سورية من خلال التواصل الاجتماعي، و محاربة العدو بنفس السلاح.‏

وطالب الحاضرون باتخاذ الاجراءات الكفيلة بملء أوقات فراغ الشباب بما هو مفيد، ليصبح الأنترنيت للاطلاع على ما يجري في العالم و ضمن ساعات مقننة، وضرورة توعية الجيل الناشئ وتوجيههم للاستخدام الصحيح لهذه الوسائل، وتوجيه الإعلام لخدمة قضايا الشباب الملحة وتعميق الهوية الوطنية و الانتماء للوطن.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية