|
دين ودنيا إن المجتمع الذي بشر به الأنبياء هو مجتمع القانون ومجتمع السواء وأن لايكون فوق القانون أحد من البشر. هذا هو التوحيد الذي جاء به الأنبياء جميعاً ضد مجتمع الشرك الذي يجعل بعض الناس أرباباً فوق بعضهم، القوي فوق القانون، حتى يأتي قوي آخر ويتغلب عليه ويأخذ مكانه، فكر الاعتماد على القوة في فرض القانون هو الشرك، ولقد جاء الأنبياء ليقلبوا هذه الفكرة، ليست القوة والغلبة هي التي تفرض القانون. هذا المفهوم هو الشرك وهو عبادة الأقوياء وهو شريعة الغاب. والذي يعيش في مجتمع شريعة الغاب والشرك يجب أن لايغير هذا الوضع بالقوة، لأن الاعتماد على القوة يلقيه في الحلقة المفرغة مرة أخرى، ويلغي الشرعية. ينبغي أن يحمي المجتمع أفراده من عدوان بعضهم على بعض، فإن كان كل فرد يحمي نفسه فهذا يعني شريعة الغاب ومجتمع الشرك ومجتمع الطاغوت، لهذا منع الأنبياء الدفاع عن النفس حين يعتدي عليك ممثل المجتمع لأجل أفكارك. لأن دفاعك عن أفكارك بالعنف تعني أنك تريد إثباتها بالقوة وهذا يعني أنك عدت إلى ملة الغاب. والأنبياء هم وحدهم الذين بدؤوا بتغيير مجتمع الغاب والإكراه بالإقناع والصبر على الأذى. أي مجتمع الرشد بالرشد، فالفرد في المجتمع الراشد ليس في حاجة إلى أن يدافع عن نفسه، لأن المجتمع يحميه. هناك قانون، وهناك قاض، وهناك سلطة تنفيذية. إن ظن أن الإنسان يعطي على الإكراه أكثر مما يعطي على الإقناع نوع من الجراثيم الخفية التي تدمر المجتمعات، إن فرض الرأي بالإكراه إلغاء للإنسان ولروح الإنسان وخيانة للميثاق ونبذ العهد، إنه رفض للأمانة وللرشد وقبول بالخيانة ونقض الميثاق: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَلاتَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ)، (إِنّا عَرَضْنا الأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَها الإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً). نبذ الإنسان الأمانة لجهله وزين له سوء عمله فرآه حسناً، واليوم حين تنعقد القمم العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز فإن خلفيتهم الفكرية مبنية على فكرة مفادها أن الإنسان ينتصر بالإكراه، إن العالم الإنساني في مرحلة جهالة ولانقول طفولة، لأنه لايوجد فيهم من يقبل بكلمة السواء ويلتزم بها. وبمجرد أن يشعر أنه بالقوة يمكن تخويف الناس ينبذ العهد والميثاق والأمانة. ولقد قال إبراهيم عليه السلام:(وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، هذه ملة إبراهيم وملة الذين قبلوا عهد الله وميثاقه وأبوا أن يفتروا على الله الكذب. -المفكر الإسلامي: جودت سعيد |
|