تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بستان الدر ..فلا تزكوا أنفسكم

دين ودنيا
الجمعة 6-3-2009
الشيخ وليد فليون

هذا العنوان جزء من آية قرآنية ولا شك في أن من توفيق الله للداعي والمبشر أن الله اختاره لهذه المهمة بإرادة الله ومشيئته لابإرادة الداعي والمبشر ومشيئتهما, تماماً كما اختار الله رسله وقديسيه لا بإرادة بشرية.

وكما فعله الأنبياء والرسل من تواضع, فإن من شأن الداعي والمبشر أن يتصفا بذلك ,فإبليس ما سقط إلا بسبب غروره وتكبره وسيطرة الأنانية عليه.‏

ولذلك رأيت الرسل والأنبياء يذكّرون هؤلاء المختارين بما كانوا عليه قبل الاختيار من شرود عن طريق الله, وأنه ليس من حقهم الغرور أو التعالي (وإذا كانت القطعة الأولى من العجين مقدسة فالعجين كله مقدس, وإذا كان أصل الشجرة مقدساً فالأغصان أيضاً تكون مقدسة, فإذا كانت بعض أغصان الزيتونة قد قطعت ثم طعّمت فيها وأنت من زيتونة برية فصرت بذلك شريفاً من أصل الزيتونة وغذائها, فلا تفتخر على باقي الأغصان, وإن كنت تفتخر فلست أنت تحمل الأصل بل هو يحملك, ولكنك قد تقول : تلك الأغصان قد قطعت لأطعّم أنا, صحيح, فهي قطعت لسبب عدم الإيمان, وأنت تثبت بسبب الإيمان فلا يأخذك الغرور بل خَف أن الله لايبقي عليك مادام لم يبق على الأغصان الأصلية,فتأمل إذاً لطف الله وشدته, أما الشدة فعلى الذين سقطوا, وأما لطف الله فمن نحوك ما دمت تثبت في اللطف, ولو لم تكن ثابتاً لكنت أنت أيضاً تقطع )، وفي الحديث: (اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك).‏

ومرة مرّ ببعض أصحاب النبي محمد رجل يسوق أغنامه أمامه فسلّم عليهم فقالوا :ما سلّم علينا إلا ليتعوذ منا ـ أي إنه وثني إنما سلم علينا ليحتمي بسلامه منا ـ فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بالأغنام إلى النبي فنزلت الآية: ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا).‏

وقد قرأ علي بن أبي طالب كلمة مؤمِناً: مؤمَناً بفتح الميم الثانية أي :لست مبذولاً لك الأمان.‏

وهكذا فإن من الخطأ بمكان, أن ينسى الداعي أو المبشر الذي اختاره الله لهداية الناس ... ما كان عليه هو قبل الهداية, فيتكبر عليهم ويزكي نفسه أو يعطيها أكبر من حجمها ( فإني بالنعمة الموهوبة لي أوصي كل واحد بينكم ألا يقدر نفسه تقديراً يفوق حقه).‏

يبقى أن نشير إلى أنه ليس من الغرور في شيء أو تزكية الإنسان نفسه إن كان ما يقوله للناس على سبيل تعريفهم بمهمته وما أوكله الله إليه (قال: يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أن لزمتموها وأنتم لها كارهون ؟) أو فيما إذا كان إخباره عن نفسه على سبيل بيان ما عنده من إمكانات أو مواهب ,ومن هذا القبيل ما قاله النبي يوسف عليه السلام عن نفسه ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ).‏

وحين تمسكت الجموع بيسوع عليه السلام قال لهم :( لا بد لي من أن أبشر المدن الأخرى أيضاً بملكوت الله لأني لهذا قد أرسلت).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية