تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الاستيطان... العدوان الإسرائيلي الدائم

متابعات سياسية
الثلاثاء23-12-2014
حسن حسن

الحرب التي تشنها «اسرائيل» على مدار الساعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لاتستخدم فيها ترسانتها العسكرية الضخمة بقدر استخدامها كميات هائلة من الخرسانة المسلحة في بنائها المتواصل لآلاف الوحدات الاستيطانية على امتداد هذه الأراضي، مايعني تلقائياً حربها المدمرة على أدنى إمكانية نشوء أدنى أو (حتى شبه دولة) فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو أجزاء ممزقة منها، تكون عاصمتها القدس الشرقية أو مجرد حارات وأزقة محدودة فيها.

قبل أيام فقط كشفت وسائل إعلام الكيان أن سلطات الاحتلال «الاسرائيلي» تستخدم الأراضي الفلسطينية التي وضعت اليد عليها «لأغراض عسكرية» لتوسيع المستوطنات بجانب استغلال التدريبات لطرد الفلسطينيين من أراضيهم لاسيما في منطقة الأغوار.‏

وذكرت صحيفة هآرتس أنه خلال السنوات الأخيرة تم تحويل 35 ألف دونم من المناطق التي صودرت لأغراض عسكرية إلى مايسمى «أراضي الدولة» أي تم سلبها لاستخدام توسيع المستوطنات والبؤر الاستيطانية.‏

وكانت سلطات الاحتلال سلبت منذ احتلالها فلسطين عام 1948 حوالي مليون دونم وأعلنتها مناطق عسكرية ورغم عدم استخدامها إلا أنها مازالت تمنع الفلسطينيين من الوصول إليها وتهدم المنازل التي يشيدونها وتعكف على اجراء عمليات مسح في الضفة الغربية لنهب المزيد من الأراضي بشكل دائم ،وأكد التقرير أن 99 في المئة من أراضي الدولة في الضفة الغربية استخدمت لمصلحة الاستيطان.‏

الثابت على الأرض أن الاستيطان لن يتوقف لحظة سواء ببناء مستوطنات جديدة أو بتسمين القائم منها وثمة هجمة شرسة تستهدف القدس تحديداً وهي هجمة ممنهجة هدفها في النهاية اقتلاع المقدسيين من أرضهم ومنازلهم وتهويد المدينة بعد توسيع رقعة جغرافيتها والعدو بارع في ذلك إضافة إلى استهداف الحرم القدسي فوق الأرض وفي باطنها، والخطر الذي يتهدده أكثر من جلي لدى كل ذي بصر وبصيرة.‏

صحيح أن جميع دول العالم بمافيها الولايات المتحدة الحليف الأكبر والمزمن لاسرائيل تصرح من جانبها أنها ترى في الاستيطان «عقبة في طريق السلام» وقد ترى فيه عملاً استفزازياً وقد يرفع بعضها من وتيرة هذه الرؤية فيصرح بأنها تقوض أسس حل الدولتين ولاينسى بعضها الآخر ربط معارضته (الناعمة) للاستيطان، مصلحة «اسرائيل» نفسها على أساس أن هذا الاستيطان يعرض هذه المصلحة للخطر فالمسألة في كل هذه المعاني ليست في الحق الفلسطيني الثابت بأراضيه وليست في الشرعية الدولية التي تحمي هذا الحق وتؤكد حتمية تنفيذه وإنما هي في المصلحة «الإسرائيلية» وحدها.‏

وأما حديث العدو المتجدد عن تجميد مؤقت لـ بعض الاستيطان فليس إلافصلاً آخر من فصول الخداع يجب ألا يتوقف أحد عنده وألا يجد آذاناً صاغية لدى من يعنيهم الأمر أو الذين يستهدفهم هذا المكر الصهيوني خصوصاً أن هناك محاولات التفافية، من غير جهة لقطع الطريق على توفير الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية مستقلة.‏

إلى ذلك يبدو الموقف الدولي ازاء الاستيطان اليهودي هزيلاً وضعيفاً ولاقيمة على الأرض لكل مايصدر عنه من تصريحات إلا إذا رأينا أنها (وهو الأصح) تملك قيمة معاكسة مما يفترض بها أصلاً حيث تقوي بهذا الشكل أو ذاك وبطريقة مباشرة وغير مباشرة سيان، من سعار هذه الحرب «الاسرائيلية» الدائمة وتدعمها فعلياً بمثل هذه «المعارضة» الهابطة والبليدة، فلا تصل في الحقيقة إلى أبسط مفاهيم المعارضة المتعارف عليها في القضايا المصيرية.‏

ووفق هذه الحال تستمر إسرائيل في حربها الاستيطانية دون اكتراث من جانبها للعالم كله. ولماذا تكترث طالما أنها لا تجد من يوقفها عن مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية أو يقف أمام جرافاتها ورافعاتها والبحار المتدفقة من خرسانتها المسلحة؟‏

والمؤلم في هذا كله أن مايسمى بالمبادرة العربية للسلام التي مر عليها أكثر من عشر سنوات ماتزال قائمة وأن حكاية «حل الدولتين» ماتزال على الطاولة التي هجرتها أو لم تهجرها سيان وأن السلطة الفلسطينية ذاتها باقية على حديثها عن انشاء دولة فلسطين العتيدة وأين ستكون هذه الدولة؟ في الهواء فوق المستوطنات اليهودية التي أكلت وهرست أرض هذه الدولة؟ أم على الورق فحسب؟‏

ورق وهواء غير أن الشعب الفلسطيني باقٍ على هذه الأرض التي قال فيها شاعره الكبير محمود درويش على هذه الأرض مايستحق الحياة‏

وعليها بالضرورة مايستحق الصمود والمقاومة..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية