|
ثقافة
وقبل الخوض في تفاصيل المهرجان، لا بدَّ من الإشادة بمبادرة الإدارة الجديدة لدار الأوبرا ممثلة بالدكتور جوان قرجولي الذي تسلَّم إدارتها منذ فترة وجيزة، فقد بدأ إدارته بانطلاقة كبيرة، ويشكل هذا المهرجان بعضاً منها. وكما قال لي فإن في جعبته نشاطات كثيرة ومتنوعة في العام القادم، تضم ندوات ومعارض وعروضاً مسرحية. كما أكد لي أن هذا المهرجان سوف يصبح سنوياً وينطلق في شهر آب. وطالما أن المهرجان سوف يصبح سنوياً، فلا بد لنا من وقفة متأنية عند هذا المهرجان، لتعزيز الإيجابيات فيه، وتفادي أخطائه، ووقفتي الأولى ستكون مع الفرق وعروضها. في اليوم الأول كنا على موعد مع أوركسترا طرب بقيادة ماجد سراي الدين، والفرقة من أفضل الفرق الموسيقية السورية حالياً، لكنها كانت في الأمسية في أسوأ حالاتها، فقد كثرت الأخطاء الموسيقية، وربما كان ذلك بسبب التغيير الاضطراري في البرنامج نتيجة تخلف مطربة كان من المقرر مشاركتها. في يوم آخر استمعنا إلى المغنية عبير البطل التي قدمت خمس أغنيات بمرافقة إياد عثمان على البزق، وأدت عبير أغنيات (يافجر لما تطل، أهو دا اللي صار، إيمتى الزمان، خايف أقول اللي ف قلبي، وأنا لحبيبي) بشكل جميل وإحساس مرهف، لكن المرافقة الموسيقية لم تكن موفقة، فأحياناً كان الغناء يسير في وادٍ والعزف في وادٍ آخر. بعد عبير جاء دور فرقة نظير مواس التي قدمت مجموعة من الأعمال الموسيقية والغنائية، وكان الأداء الموسيقي للفرقة جيداً، ولكن في بعض الأحيان كان ضجيج آلات الإيقاع يطغى على الآلات الأخرى وعلى الغناء. نظير مواس قائد الفرقة عزف على كمانه بمرافقة الفرقة أغنيتي (أي دمعة حزن) لعبد الحليم حافظ و(أنت عمري) لأم كلثوم، فنجح وأمتع الجمهور، ووصلت الفرقة إلى قمتها حين قدمت وبشكل رائع (لوحة المصالحة) لفيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين، وما زادها جمالاً ارتداء المشاركين في اللوحة للأزياء الفولكلورية، وأدى وضاح اسماعيل دور وديع الصافي وإياد حنا دور نصري شمس الدين، أما دور فيروز في الغناء فتناوب عليه عدد من مرددات الكورس. فرقة (طرب دهب) بإشراف حسان تناري أجادت في ما قدمته من أغنيات، وما يحسب للفرقة أنها قدمت ثلاثة موشحات للموسيقي السوري الكبير مجدي العقيلي، هي (أيها الساقي) و(جادك الغيث) و(لوكنت تدري) وموشح لأبي خليل القباني (ياغصن نقا)، وشارك عازف الغيتار طارق صالحية وفرقته بالمهرجان، وهذه الفرقة من نوع فرق الجاز، قدمت ثلاثة أعمال موسيقية من أهمها تانغو لأمير البزق محمد عبد الكريم، وفاجأنا طارق حين قدمت الفرقة نشيد (موطني) للأخوين فليفل بأن أدى كلمات النشيد بصوته، وكان أداؤه جميلاً أدهش الجمهور الذي صفق له بحرارة. ختام المهرجان كان مع جوقة شام وأوركسترا ندى بقيادة حسام الدين بريمو، وضم كورال جوقة شام أكثر من خمسين مردداً من الجنسين، وتخلل الأداء قيام بعض أفراد الكورال بتقديم بعض الأغنيات بشكل إفرادي، أما الأداء الموسيقي لأوركسترا ندى فكان ممتازاً، وتسجل لحسام الدين بريمو أن فقرات برنامجه جميعها كانت من الغناء السوري في زحمة الغناء المصري واللبناني الذي غصت به برامج الفرق الأخرى. وهنا ثمة وقفة لابد منها عند برامج الفرق المشاركة، فقد طغى عليها الغناء المصري واللبناني، بينما كانت تلك البرامج فقيرة بالغناء السوري، باستثناء فرقتين تحدثت عنهما، إن المهمة الأساسية للمهرجان إحياء التراث الموسيقي والغنائي العربي في سورية، أليس من حق موسيقيينا الكبار علينا أن نتذكرهم ونحيي إبداعاتهم الموسيقية؟ أنا لست ضد تقديم الغناء من مصر أو لبنان أو أي بلد عربي آخر، ولكن يجب أن يكون ذلك على سبيل التنويع، وأن يكون للغناء السوري المساحة الأكبر في البرامج. أمر سيىء عانت منه الحفلات وهو التغيير والتبديل الذي كان يطرأ على البرامج، فمعظم الفرق لم تتقيد بترتيب فقرات برنامجها، وبعضها لم يقدم قسماً من فقرات البرنامج، وبعضها الآخر حذف فقرات وأضاف فقرات لم تكن موجودة في البرنامج المطبوع، الأمر الذي شوش الجمهور. نقطة مهمة لا بد من الوقوف عندها، وهي أن العديد من العازفين تكرروا في معظم الفرق، وأحصيت أسماء تكررت في أربع فرق على الأقل. وهذا يعني تكرارية أسلوب العزف في الحفلات، ويُفقد الفرقة تميزها. وإذا أحصينا جميع العازفين في الفرق المشاركة في المهرجان، نجدهم لا يشكلون أكثر من فرقة ونصف. أليس الغاية من المهرجان إتاحة الفرصة لأكبر عدد من العازفين للمشاركة؟ ثمة نقطة أخرى مهمة يجب التوقف عندها، والمتمثلة بفوضى جداول البرامج للفرق، ففي معظم البرامج لم يذكر اسم كاتب كلمات الأغنية ولا ملحنها، ومن حق هؤلاء ذكر أسمائهم تكريماً لهم. ومن أجل تلافي ذلك كله، وطالما أن المهرجان سيكون سنوياً، من الضروري وضع نظام داخلي له، يتضمن إلزام الفرق بأن يكون نصف برنامج كل منها من الغناء السوري على الأقل، وأن يتم تحديد زمن مشاركة كل فرقة بدقة، وأن تلزم الفرق بتضمين جدول برنامج كل منها اسم كاتب كلمات الأغنية وملحنها ومطربها الأصلي إلى جانب المغني الذي سيقدمها في الحفلة، فهذا جانب تثقيفي مهم للجمهور، وأن يقضي بمنع أي تغيير أو تبديل في البرنامج المطبوع. |
|