|
ثقافة لابد من مضاعفة الجهود لمد الجسور وفتح النوافذ في جدران عالية بنيت بين الشرق والغرب, صحيح أن تلك العلاقة لم تكن دوماً بتلك الرومانسية والموضوعية, لكن السنوات الأخيرة أفرزت صوراً مغايرة تماماً للعرب والإسلام في أذهان الشعوب الغربية. في عام 2004 دعا معرض فرانكفورت للكتاب جامعة الدول العربية لتحل ضيفاً عليه, وقد رأى بعض المهتمين أن العرب لم يحسنوا الاستفادة من تلك الدعوة واعتبروها فرصة ضائعة, بعد ذاك حل العالم العربي ضيفاً أيضاً على معرض لندن للكتاب, وبدأت ترجمات كثيرة لمؤلفات عربية عديدة, وجاء مهرجان برلين الدولي للأدب في دورته التاسعة ليمد جسور انفتاح مع الثقافة العربية. في حوار مع مدير المهرجان السيد أولريش شرايبر قال: يهدف المهرجان إلى إتاحة الفرصة للمهتمين من جمهورنا للانفتاح على الأدب العربي, وتشجيع التفاهم المتبادل بين الطرفين ودعم التواصل بين الفنانين والأدباء والكتاب. إن الاهتمام بالثقافة العربية أصبح ضرورة ملحة. وقال: إن الأديب العربي قلما ينشر خارج بلده، لذا فإن المهرجان سيسعى إلى عقود ترجمة لأعمال عربية مبدعة، تستطيع أن تقدم حال العالم العربي أدبياً للقارئ الألماني خصوصاً والغربي عموما. يعتبر مهرجان برلين من المهرجانات الأدبية العالمية الهامة, حيث يوجه الدعوة كل عام لأكثر من 150 كاتبا وكاتبة في مجال السرد والشعر من نحو 50 دولة ومن جميع القارات, يعرضون أعمالهم ويتناقشون حولها من خلال حوالي 300 فعالية أدبية. وقد أكّد مدير مهرجانات برلين، يواخيم زارتوريوس أن مهرجان برلين الأدبي يعد أوّل مهرجان من نوعه بهذا الشكل والحجم، الذي يسلّط الضوء على «الأدب والحياة في 22 دولة عربية، تتميّز بثرائها التاريخي والسياسي». كان برنامج المهرجان حافلاً بالنشاطات والندوات, ففي الجزء المتعلق بـ «تأملات» عرضت واحدة من أهم القضايا السياسية ـ الرؤية المستقبلية للحوار العربي الغربي- وفي سلسلة «تكلمي أيتها الذاكرة» قرئت نصوص للكتاب الراحلين من هوميروس إلى محمود درويش. أما القضايا التي تشغل الساحة الثقافية العربية فقد كانت محاورها كثيرة ومنها: الثقافة والتعليم في العالم العربي، أدب شبه الجزيرة العربية- كسر المحرمات أو الصمت-، الرؤية المستقبلية للحوار الثقافي مع العالم العربي، السلطة والثقافة، التراث في الأدب العربي، الجريمة والحب، النظرة الغربية الى العالم العربي. كما حضرت ثيمة الجسد حيث ناقش ثلاثة أدباء (جمانة حداد، علوية صبح و رشيد بوجدرة) توصيف أدوار الجنس وعرضها في الأدب العربي وهل يعكس الأدب العربي التصور التقليدي للرجل والمرأة أم أنه يتجاوزها الى تصورات مختلفة؟ وأي أثر تترك العروض الأدبية على الواقع الاجتماعي؟ كما تعرضت المناقشات للاشكالات الرئيسية التي تحكم علاقة الغرب بالعرب و هي مسألة الأمن والارهاب، حيث ناقش الجمهور الألماني هذه القضايا الشائكة من خلال التطرق إلى مفهوم `الأمن` بالنسبة الى الحضارات الغربية والعربية؟ وفي إطار الرؤية المستقبلية للحوار الثقافي مع العالم العربي سلّط الضوء على علاقة الأديان التوحيدية بالمشكلة الرئيسية في الحوار العربي الغربي. احتفى المهرجان بأعلام الثقافة العربية الذين رحلوا عن عالمنا ومنهم الطيب صالح أهم روائي عربي بعد نجيب محفوظ. يشمل عمله أربعة مجلدات بما في ذلك رواية `موسم الهجرة إلى الشمال`، ومجموعة قصصية بعنوان`حفنة تمر` وهي قصة ضمن المجموعة القصصية `دومة ود حامد` التي ترجمت إلى الألمانية. كما تم الاحتفاء أيضا بالشاعر محمود درويش، واضطلع بذلك الشاعر عادل قرشولي الذي يكتب بالألمانية والعربية وترجم العديد من قصائد درويش إلى اللغة الألمانية، كان آخرها قصيدة `لاعب النرد` التي نشرها درويش قبل فترة وجيزة من وفاته. وفي السياق نفسه تم تكريم سركون بولس كواحد من أهم المبدعين في الشعر العربي. وحيث أن السلطة والثقافة على تماس كبير فقد نظمت جلسة لمناقشة هذا الاشكال من خلال علاقة السلطة بالثقافة. خصص المهرجان كذلك حيزا مهما لقضايا تهم العالم العربي كفلسطين من خلال التوق الفلسطيني وكيف تتعامل بعض الظواهر الأدبية مع هذه القضية، والعراق وأدبه في المنافي، وشبه الجزيرة العربية وإشكالية التابوهات التي تتعرض لها عدد من الأعمال الأدبية، و منطقة المغرب الكبير واشكالية العبور الجغرافي نحو الغرب، ولم تغب مأساة دارفور. من الذي يقرر ترجمة ونشر أي عمل عربي؟ ما هي المعايير التي تتبعها دور النشر الألمانية وغيرها من دور النشر الغربية؟ ما هي العواقب بالنسبة للكتّاب العرب؟ هل هناك نوع من الكتابة العربية للناشرين الغربيين؟ هل يمثل من اختير من الأدباء حقيقة الأدب العربي, أم أن هناك في الشرق أسماء أخرى لا يعرفهم القراء في الغرب؟ أسئلة هامة حاولت إحدى الجلسات الإجابة عليها, هذا وكان مدير المهرجان قد أجاب عن شيء يتعلق بطريقة اختيار المشاركين فقال: في مسألة الاختيار، نبذل كل سنة جهدا لمعرفة التضاريس الأدبية حول المنطقة التي نريد الاحتفاء بها. وبطبيعة الحال نركز على الجودة الأدبية. لقد استشرنا في هذا الخصوص ضيوفنا السابقين من العالم العربي، ومترجمين من اللغة العربية، ناشري السرد والشعر من أوروبا، معاهد غوته في العالم العربي، الذين رشحوا لنا كتابا من القاهرة، الإسكندرية، رام الله، دبي، بيروت ، ودمشق ، وحتى من (إسرائيل )، حيث يعيش فيها الكثير من الكتاب العرب. وأيضا جيل الشباب الذين لم يتعرفوا بعد على ألمانيا. شارك في فعاليات المهرجان أربعون أديبا يعيشون في أوطانهم العربية أو في المهجر ممن تركوا بصماتهم على الساحة الأدبية في أوطانهم. وكانت الكاتبة الهندية أروندهاتي روي، التي أثارت انتباه العالم من خلال روايتها «إله الأشياء الصغيرة»، و تصريحاتها وحركاتها السياسية الجريئة واللافتة للانتباه إلى مخاطر العولمة,قد افتتحت فعاليات المهرجان بكلمة ألقتها. كما عرض أكثر من 200 كاتب من جميع القارّات أعمالهم في برلين. وإلى جانب الكتّاب العرب، شارك أدباء من الهند والمجر وباكستان وبريطانيا وفرنسا وإيرلندا في المهرجان، فيما عرض نحو 56 أديبا ألمانيا أعمالهم الأدبية. مهرجان برلين الدولي للأدب الذي تنظمه (مؤسّسة بيتر فايس للفن والسياسة) بالتعاون مع ( لجنة المهرجانات في برلين ) أعد برنامجاً حافلاً تضمّن أمسيات شعريّة، قراءات أدبيّة، حلقات نقاش، ورشات عمل، موسيقا وعرض أفلام وثائقيّة، متناولاً بعمق التطورات الأدبية والسياسية المعاصرة في العالم العربي. |
|