تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


زينة الرجال

كل أربعاء
الأربعاء 16-9-2009م
سهيل إبراهيم

لما أفقنا في مطالع صبانا الأول, دوى في أسماعنا وأسماع العرب يومذاك نشيد صاخب,

كان يلهب حماستنا ويلامس كبرياءنا حين يؤذن فينا (خل السلاح صاحي) فينبض الحلم في رؤوسنا, وتنتفض فينا رجولة مبكرة في زمن مبكر كانت البندقية فيه أطول من قامتنا.‏‏

كنا خارجين من أوحال النكبة التي لم يختبر فيها العرب رجولتهم, فخانهم سلاحهم وأطلقت مدفعيتهم إلى الخلف, وسقط ضباطهم وجنودهم في كمائن عصابات هاغانا وشتيرن, وسقط معهم المصير الفلسطيني في القبضة الصهيونية التي لا تزال حتى اليوم تلوي عنق التاريخ في أقدس جغرافيا عرفها التاريخ.‏‏

(خل السلاح صاحي) أنشدناه في وقت لم يكن لسلاحنا فيه هيبة, وفي وقت احتكار السلاح بأيدي الغرب الاستعماري الذي كان قد أخلى سبيلنا من قيد الوصاية والانتداب وشدد علينا الحصار العسكري, كي لا تنمو أظافرنا ويقوى عودنا فنتعلم لغات الحرب ونختبر رجولتنا من جديد بسلاح جديد يقود خطانا نحو النصر.‏‏

تبدل الميزان وكسرنا احتكار السلاح وانتشرت في تشكيلاتنا العسكرية أجيال جديدة من الطائرات والدبابات ومدفعية الميدان والأسلحة الخفيفة, حين انفتحت طرق الشرق نحونا, وانفتحت مخازن السلاح السوفييتي يومذاك على جيوشنا بقرار شجعت عليه مناخات الحرب الباردة ومصالح إقليمية بدأت تنسج على إيقاع الصحوة القومية عباءة الأمن القومي العربي الذي فرق للمرة الأولى بين العدو والصديق وأقام تحالفاته على هذه القاعدة.‏‏

لم يكن السلاح العربي الجديد والمؤتمنون عليه في صحوتهم المنتظرة, حين تعرضنا للاختبار الثاني عام 1967, ففي صبيحة الخامس من حزيران من ذلك العام, أفقنا على حطام سلاحنا وحطام نشيدنا ودخان شعاراتنا المحترقة, وعجز رجالنا عن تلافي الهزيمة, تحت شمس حارقة شهدت ما يشبه الحرب التي انتهت بفاجعة مدوية كوت أحلامنا وعقولنا بجمرها الذي مازالت النار تلتهب في موقده, ولما حانت الفرصة في السادس من تشرين عام 1973 كي يسترد هذا السلاح كرامته بعد أن استرد الجنود إرادتهم وخاضوا الحرب ببسالة وشرف واستعداد للتضحية, لما حانت هذه الفرصة ونجح المقاتل العربي في امتحانها, ذهب السادات إلى ما ذهب إليه فأعلن تقاعد السلاح ومشى بقدميه إلى منبر الكنيست الصهيوني ليوقع على ميثاق صلح, ما زلنا حتى اليوم نشرب حنظلاً من كؤوسه الطافحة بالمرارة.‏‏

لم يعرف العرب منذ ذاك اليوم كيف يستخدمون سلاحهم في المكان المناسب, ولا كيف يتفقون على صورة عدوهم, فنبشوا من صدورهم عداوات مستجدة كانت براكينها خامدة, ونصبوا أسلحتهم على متاريس قتال, في حروب باطلة, المقتول فيها أخو القاتل, والضحية هي العروبة, والفائز فيها عدو العرب مهما كان اسمه, وأينما كان عنوانه.‏‏

أكثر من خمسة وثلاثين عاما والسلاح العربي يواجه السلاح العربي, ويفتك بعافية العرب ويأكل من مناعتهم, وينتقل بهم من أتون فتنة إلى جحيم حرب باطلة, هم حطبها وهم موقدو نارها, في سفر شيطاني بدأ بالحرب الأهلية اللبنانية قبل أكثر من ثلاثة عقود, وآخر تجلياته تتشكل اليوم على هضاب صعدة في اليمن, احترب العرب على رمال الكويت فتدفقت شلالات الدم في العراق, واحتربوا في السودان والصومال وفي الصحراء المغربية, وصار السلاح في أيدي العرب زينة الرجال شرط ألا يقطف غير رؤوسهم.‏‏

في مكان آخر, وفي زمن يكاد يكون هاربا من هذا الزمن, عثرنا على سلاح ورجال لا ينتسبون لهذا السفر الشيطاني, ولا يصغيان إلى وسوسته, سلاح ورجال من طينة أخرى طلع نبتها على ثرى الجنوب اللبناني وتراب فلسطين, عرفت صورة عدو العرب جيدا, وأتقنت رسم الخرائط, وحددت وجهة رصاصها, أعاد رجالها اختبار الحرب بكرامة موفورة, وعزة موفورة, ونجحوا في الاختبار, وكسروا القاعدة, فصاروا الاستثناء, ومن أجل ذلك قام عليهم الكون, وقام عليهم العرب وقام عليهم أقرب الأقربين, فسلاحهم محظور, خارج على الشرعية العربية, ورؤوسهم مطلوبة من أقوى عواصم الكون, لأن السلاح العربي لا يصبح زينة الرجال إلا حينما يصطاد رؤوس العرب.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية