|
لبنان هذا الكلام قيل منذ عقود في «الغزو الثقافي». المصطلح أصبح باهتاً ومضطرباً وربما عبثياً أيضاً إذا ما جرت مقاربته كلاسيكياً، وإذا لم يؤخذ بالاعتبار «على المستوى الأميركي تحديداً، ومن حيث يفترض أن يأتي الغزو» إن المعايير اختلفت، القيم أيضاً، الآليات أيضاً وأيضاً. لا أحد منا خشي، في يوم من الأيام، مما كتبه بنيامين فرانكلين أو جون شتاينبك أو أرنست همنغواي أو توني موريسون، كما أن الثقافة الأوروبية، بوجه عام، تتقهقر، أين هم رجال مثل هيغل، وهايدغر، وحتى مثل جان بول سارتر وصمويل بيكيت واندريه بريتون. لا وجودية، ولا عبثية «منهجية» ولا سريالية، ولا حتى دادائية أو بنيوية.. المعيار الآن للوجه الآخر للثقافة. ما تقوله السوق. حتماً انتفت المسافة بين هوليوود وول ستريت والبنتاغون. ثمة أقانيم تنتج عما يمكن أن يسمى «لاهوت السوق». ألم تقل توني موريسون انه حتى النص المقدس يوظف لخدمة الهمبرغر والبوينغ مروراً بالروك آند رول. لا أحد منا مع ثقافات الأقبية، أو مع ثقافات الطوطم. يقول مارك هالتر الذي بحث في «الجمجمة اليهودية»، نافياً، بيولوجياً وإيديولوجياً، القاعدة «الشاذة» حول عبقرية السلالة، إن هناك راعياً من الشرق الأوسط دفع بقطيعه منذ 45 ألف عام، غرباً حين شاهده سكان القارة العجوز، بهروا، ونشأ مفهوم المؤسسة من تلك اللحظة الشرق أوسطية.. الثقافة ارتدت عباءة السوق. والأمر المضحك أن صامويل هانتنغتون الذي اخترع في زمن العولمة نظرية صدام الحضارات عاد ليحذر من الغزو الثقافي الآتي من أميركا اللاتينية، من قرأ ما كتب تساءل ما إذا كان الخوف من لغة خورخي بورخيس، أم من «الإله الكاثوليكي» (بمفهوم هانتنغتون بالطبع) أم من كرنفال الريو، فيما المنظّرون الأميركيون يتحدثون عن العالم الأميركي لا عن الأمة الأميركية، ولكن ألم يصف البعض انتخاب باراك أوباما بأنه من تجليات الغزو الثقافي للولايات المتحدة؟. ملاحظة أخيرة: رغم هشاشتنا السوسيولوجية، رغم تبعثرنا، رغم فوضويتنا «وأحياناً كثيرة بدائيتنا» لسنا خائفين من السقوط الثقافي ليس لأننا في حالة انعدام الوزن. الأخرون، رغم كل تلك الأرقام الهائلة، مثلنا... |
|