تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حروب القرن لحساب شركات الأسلحة والنفط

شؤون سياسية
الخميس 17-9-2009م
غالب حسن محمد

حين يشرع المرء في سرد حكاية غزو العراق لا بد له من الرجوع إلى ما قبل أحداث أيلول 2001بسنتين عندما تحدث الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش إلى صحفي من (هوستون) وأفضى له بمكنون نفسه وقال: إنه إذا ما انتخب رئيساً «فسوف أغزو العراق».

أدلى بوش بهذا التصريح عن شن حرب عدوانية على بلد لم يمد يده بالسوء لأمريكا ولم يلحق بها أذية. وقد أفصح عن نيته تلك وهو يتحدث إلى الصحفي المخضرم الحاصل على العديد من الجوائز ومراسل «هوستون كرونيكل». وتحقق حلمه الكبير وفاز بالرئاسة وتربع على عرش البيت الأبيض، وما لبث بعد حين أن أطلق العنان لحلمه الآخر الذي كان يراوده فدبر حرب العراق وحشد الحشود وقرع الطبول وزج الجنود وأشعل الحرب وهاجم العراق ودمره وقوض بناه التحتية والفوقية وحل جيشه ونهب ثرواته، فماذا بعد...؟‏

لقد احتلت أمريكا وبريطانيا دولة العراق، وتوافد جنود الحلفاء لمؤازرة الأمريكان وكان ما كان، فماذا صنعت الولايات المتحدة في السنوات الماضية والتي أعقبت غزوها لهذا البلد...؟‏

ماذا أنجزت الولايات المتحدة وحلفاؤها في العراق بعد كل هذا الشقاء والمآسي والعناء...؟. لماذا قتل آلاف الجنود الأمريكان، وأي غاية تلك التي دفعت بقادتهم لزجهم في أتون هذه الحرب المدمرة؟ وما الحكمة من قتل مئات الألوف من العراقين في بلد لم يكن يوماً يتحدى أمريكا وبريطانيا...؟‏

كل ذلك ليس إلا خدمة لحفنة من كبار مديري شركات النفط والرؤساء التنفيذيين في الصناعات «الحربية» العسكرية لديهم فكرة جلية عن أسرار شن هذه الحرب والمآرب الكامنة وراء خوض غمار هذا الصراع.‏

لقد كان غزو العراق حدثاً هائلاً مزلزلاً نكب أمة بحالها، إلا أن تجار الحروب جنوا منه ثروات طائلة.‏

ذكر العديد من رؤساء كبريات الشركات العاملة في المقاولات الخاصة بالدفاع في واشنطن، أنهم ما زالوا يجنون ثروات اسطورية من ازدهار الانفاق على الحروب في العراق وأفغانستان.‏

إن الحرب ليست مأساة انسانية تطحن رحاها البشر تهلكهم فحسب، بل هي عامل مدمر للاقتصاد، وإن بدا ظاهرياً أن بعض القطاعات تحصد أرباحاً طائلة. فالحرب تلتهم من فرص العمل الكثير في الوقت الذي تقفز أرباح الشركات الخاصة بصناعة الطيران الحربي ثم نرى العكس في قطاع الطيران المدني، فالسفر الجوي في تراجع وتتقلص بصورة متسارعة الأموال المتوفرة لشراء طائرات مدنية».‏

إن السواد الأعظم من الناس في أمريكا خاسر أكبر في هذه المعمعة. حين خاض بوش حربه على العراق أحجم عن دفع الضرائب، بل أعفى الأثرياء من نسبة كبيرة منها. وكان لذلك تأثيره المباشر على الشعب، إن ملايين البشر تظاهروا خارج الولايات المتحدة الأمريكية ضد تلك الحرب الهمجية وطالبوا بمقاطعة البضائع الأمريكية، وكان لذلك أثره في تراجع المبيعات وارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة.‏

إن الحرب على العراق دمرت الصناعة النفطية فيه فتدهور الإنتاج وتراجعت الإمدادات، لقد اعتبرت تلك الحرب منجماً من الذهب بالنسبة لكبريات الشركات النفطية وصناعة السلاح. حيث سجل ارتفاع في أرباح الشركات النفطية الخمس الكبرى من /34/ مليار دولار عام 2002 إلى /81/ مليار سنة 2004.‏

بعض الأصوات الخافتة والمواقف الباهتة في الولايات المتحدة وبريطانيا حاولت اظهار استيائها من مواصلة الحرب في أفغانستان و نادت بالانسحاب من المستنقع الأفغاني.‏

صحيفة «واشنطن بوست» ذكرت أن القتل استشرى في صفوف الجنود الأمريكيين والوفيات بلغت رقماً قياسياً مفزعاً الأمر الذي قد يوهن عزيمة الشعب الأمريكي التي بذل جورج بوش قصارى جهده لشحذها ولم يدخر جهداً لحشذ القوى لخوض ما أطلق عليه اسم «الحرب الصليبية ضد الارهاب»‏

أما صحيفة «الاندبندنت» البريطانية فقد قالت: إن الاخفاق في أفغانستان سيشكل ضربة قاتلة لحلف الأطلسي، ولا سيما في نظر واشنطن لأن ثمن هذه الهزيمة سيكون باهظاً جداً بسبب انعكاساته وتداعياته الجيوسياسية البالغة الخطورة على الجميع. فلصالح من أشعلت تلك الحرب...؟‏

كل الدول المشاركة مع الولايات المتحدة في غزو أفغانستان أعرب بعض مسؤوليها بين الفينة والأخرى تأففهم من هذه الحرب وأعربوا عن عدم ايمانهم بجدواها وعدم ثقتهم بالمستقبل فيما يتعلق بهذه القضية ولابما سيتمخض عن هذا الصراع في نهاية المطاف.‏

معاناة أهل العراق في الحرب الوحشية الظالمة التي شنت على بلدهم وقوضت دولتهم ودمرت وطنهم وسحقت بنيتهم التحتية والفوقية وقتلت أبناءهم وشردت نحو ستة ملايين منهم أخرجتهم من ديارهم وخربت اقتصادهم ورسخت كل شرور الفساد فيهم وزرعت الأحقاد في نفوسهم بما انتهجته أمريكا وبريطانيا من سياسات، معانات العراقيين لا مثيل لها ربما سوى في فلسطين وما يعانيه أهلها، وماذا بعد... ماذا بعد هذا الهول والجحيم لهذا البلد، فقط لأن لديه ثروة نفطية.‏

لقد حولوه إلى منطقة لا يمكن العيش فيها. كبار الخاسرين في أمريكا هم دافعوا الضرائب، لقد تفشت البطالة في أمريكا وقتل من قتل من أبنائها لمصلحة طغمة من كبار الأثرياء من أباطرة الصناعة الحربية الذين يديرون آلة الحرب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية