تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل يصل الحوار إلى الزوايا المحدّبة الرأس؟

شباب
الإثنين 1-4-2013
غانم محمد

سورية تتحاور.. يصادفكَ هذا العنوان أنّى اتجهتَ وأين كنتَ، نعمل تحته ونتجه معاً نحو الارتقاء به ليكون عنواناً مستمراً ودائماً في حياتنا السورية التي تزداد خصوصيتها يوماً بعد آخر..

الكثيرون يؤمنون بنجاعة الحوار ولا يقللون من شأنه بالحديث عن أسباب تأخّره فيتعاملون بإيجابية مع الطرح وإن كان متأخراً من وجهة نظرهم، والبعض يفتّش هنا وهناك عمّا يكرّس الإحباط بالتقليل من شأن هذا الحوار وعدم جدواه وأنه مجرّد «سيناريو» وهمي القصد منه إشغال العقول عما يجب فعله حقاً!‏

حتى نكون أهلاً للحوار علينا أن نروّض أنفسنا على تقبّل الآخر، أياً كان هذا الآخر وأياً كانت أفكاره ورؤاه وإلا فسيبقى المشهد ناقصاً بعض الشيء..‏

في الشكل العام، ومن خلال تبادل وجهات نظر مع عدد من شبابنا في أماكن مختلفة ومن مستويات علمية مختلفة فإن قسماً لا بأس به من هؤلاء الشباب يعتقدون أن الحوار هو بين أطراف متباعدة وربما متناقضة المصالح أو متنازعة على سلطة أو على مكاسب سياسية ولهم العذر في إبداء هذه النظرة لأن الدعوة للحوار ولدت من رحم الأزمة التي تعيشها سورية، ولأننا أوحينا في الإعلام أن الحوار سيأخذ هذا الشكل من خلال تركيزنا على «الآخر» وعلى استعدادنا كدولة للحوار معه، لكن شاباً يعمل في الزراعة سألني وبشكل مباشر وباللهجة العامية « شو بدنا من المعارضين ومن المخربين، ليش ما بيكون الحوار بين المسؤولين والمواطنين»، وقد أعاد بسؤاله عناوين الكثير مما نطرحه في الإعلام من مشاكل وهموم خدمية وحياتية وخاصة ما يتعلق منها بفرصة العمل وبالقوت اليومي والفجوة الموجودة بين المواطن والمسؤول رغم تأكيد الأخير على عكس ذلك في اللقاءات المتلفزة..‏

حادثة بسيطة ملخصها أن مواطناً من ريف طرطوس يعمل في أرض «إصلاح زراعي» وفيها أشجار حمضيات فوجئ بورشة معها آليات وترافقها دورية من الشرطة تقتلع أشجار الحمضيات بداعي أن الأرض اعتمدت كمقبرة للقرية رغم وجود مقبرة غيرها وعندما سألهم هذا المواطن لماذا تفعلون ذلك قالوا له «معنا حكم قضائي» فقال لهم أريد رؤيته فرفضوا، وسأل دورية المؤازرة عن مهمتهم فلم يأبهوا!‏

سردت هذه الرواية باختصار لنؤكد لمن يعمل في الشأن السياسي أن ثمة تفاصيل أهم بكثير من كل العناوين الكبيرة، ولنقل لمن يدّعي التضحية في الشأن الوطني أن ثمة قصوراً في فهم الأمور ما زال موجوداً وإن الحوار الحقيقي يجب أن يبدأ من هذه التفاصيل ليصحح الاعوجاج الموجود وإلا فسينفر منه كثيرون..‏

لا نتحدث هنا عن الحوار الوطني الشامل بصفته جزءاً من مبادرة الحل السياسي للأزمة السورية ولكن عن ارتدادات هذا الطرح في حياتنا اليومية والحوار البيني الذي يجب أن يبقى قائماً على مختلف المستويات، بين الطالب ومعلمه، بين المعلم وإدارته، بين المدير وموظفيه، بين عضو مجلس الشعب وناخبيه، بين الشاكي والمشكو منه، وأن يكون الوضوح الذي طالب به السيد الرئيس أعضاء الحكومة هو نقطة التلاقي بين الجميع، ترى أليس من حق من تُنتزع أشجاره في المثال السابق أن يرى القرار الذي انتزعت أشجاره بسببه، وهل من انتقاص من «هيبة» هذا الموظف لو أنه احترم ذلك المواطن واحترم عمله؟‏

عندما تُفلسَف الأمور فإن كثيرين يحجمون عنها، وعندما تنتبه إلى هذه الزوايا المحدّبة الرأس فإن كثيرين ممن يعتقدون أنهم خارج أي حسابات يعودون إلى فاعليتهم وإلى الدور المطلوب منهم..‏

قسم كبير من شبابنا خاصة، ومنّا جميعاً كمواطنين نريد حواراً مستقلاً ومنفصلاً عن الحوار الوطني الشامل المُدرَج ضمن البرنامج السياسي لحل الأزمة، بحيث يُعقد هذا الحوار في كل حلقة يزيد عدد أشخاصها عن ثلاثة وشرط أن تُحترم نتائج هذا الحوار والذي نفترضه مراجعة حقيقية لعملنا ولعلاقات هذا العمل..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية