تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الانسحاب الكبير وملامح التسوية الكبرى

الإثنين 1-4-2013
عفيف دلا

قد يقلق البعض مما يحصل ويقول إن التصعيد هو لغة المرحلة المقبلة بناء على ما هو حاصل في الميدان والسياسة على مستوى الاضطراب على الحدود الجنوبية، ولاسيما في هضبة الجولان وعلى المستوى السياسي بالنسبة لمقررات

"قمة الجامعة العربية" في فتح باب التسليح أمام الدول العربية لدعم ما يسمونه بالمعارضة المسلحة في سورية وإعطاء مقعد سورية في الجامعة لائتلاف الدوحة القطري وكل ما يتم تداوله من تجهيز لآلاف المرتزقة على أطراف الحدود مع سورية ومطالبات فرنسا وبريطانيا برفع الحظر الأوروبي عن تسليح المعارضة السورية وما يحدث في الداخل السوري من سقوط قذائف عشوائية في قلب العاصمة دمشق وتفجير العبوات الناسفة والسيارات المفخخة في الأحياء السكنية وبالتالي يخلص المتابع إلى أن التسوية الدولية المزعومة بين الولايات المتحدة وروسيا ذهبت أدراج الرياح .. لكن يبقى باعتقادي هناك مقاربة أخرى للأزمة السورية إقليمياً ودولياً لا تنطلق من غاية بث روح التفاؤل للمتلقي ولا إحباطه أيضاً فهي مقاربة منطقية تحتمل الصواب والخطأ وتنطلق من ضرورة إيجاد السياق المنطقي التي تتحرك ضمنه الأحداث المتسارعة للأزمة السورية وإيجاد تفسيرات ضمن السياق ذاته لبعض الأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية وانعكاسها على الأزمة السورية فلذلك لا بد من مناقشة موضوعية لملامح التسوية .‏

هناك عنوان اليوم استطيع أن أطلقه على المرحلة وهو " الانسحاب الكبير " فقد تم إعطاء الأطراف الإقليمية أوراق الانسحاب وجوائز الترضية ، فالتركي ممثلاً بأردوغان فقط حصل على دعوة عبد الله أوجلان لحزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح وإيقاف المواجهة مع حكومة أردوغان وهذا ما يؤسس نظرياً لإنهاء حقبة من الصراع التركي الكردستاني، وحصل على اعتذار لفظي من إسرائيل على لسان نتنياهو كي يسحب ورقة ضغط بيد القوى السياسية التركية المعارضة لحكومة العدالة والتنمية ويعطي رصيداً شعبياً لأردوغان يصرفه في الانتخابات المقبلة، وبالتالي كلتا الورقتين لا يمكن صرفها إلا في الداخل التركي على مستوى لعبة الانتخابات المقبلة لامتصاص الاحتقان الشعبي والضغط السياسي في الداخل مقابل الانسحاب التدريجي من من سورية دون تسجيل هزيمة كبرى لأردوغان وفريقه يمكن استغلالها من خصومه في الإطاحة به سياسياً ... وأما من يعتقد بأن دعوة أوجلان تندرج في إطار صفقة تركية كردية على حساب لعب دور ما في المعادلة السورية فلا أعتقد انه وارد لاعتبارين أساسيين : فقدان الثقة بين أوجلان وأردوغان والتي لن تجعل الأول يقايض على قضية شعبه القومية المغمسة بالدم على يد الحكومات التركية المتعاقبة ولاسيما العدالة والتنمية، والاعتبار الآخر هو لطبيعة الموقف للعشائر الكردية في سورية مما يحصل داخلها وبالتالي تكون الصفقة هنا غير مكتملة الشروط الموضوعية لتحققها عدا الشروط السياسية.‏

أما السعودي فقد جاءت استقالة حكومة نجيب ميقاتي على عجل وبشكل فجائي دونما سبب موضوعي وجيه وبالتالي يعتقد بوجود إيعاز لها بالاستقالة سعودياً وأمريكياً لتشكيل حكومة لبنانية موالية للسعودية مقابل تخليها عن دورها في سورية وتحقيق حالة توازن نسبي للأدوار الإقليمية لكل من سورية والسعودية في المنطقة، ولاسيما فيما يخص معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، فعلى الدوام كانت المقايضات الإقليمية للطرف السعودي تتعلق بلبنان وحكومته المقربة من النظام السعودي الذي يتمسك بلبنان كورقة إقليمية ذات ثقل استراتيجي لارتباطها بمعادلة الصراع مع الكيان الإسرائيلي، وبالتالي تكون السعودية ممسكة بطرف هام في معادلة الصراع بوجود حكومة موالية لها تفرض على الأقل واقعاً هشاً لا يدعم المقاومة اللبنانية سياسياً في الداخل ويشغلها في شؤون البلد الداخلية وبهذا الشكل تعطى السعودية جائزة الترضية في لبنان مقابل انسحابها من الشأن السوري من دون فقدان ثقل إقليمي كان يشكل أحد أهم أسباب الصراع السياسي مع سورية وكان وجوده عامل استقرار إقليمي وعربي في تلك المنطقة ...‏

أما الإسرائيلي فكانت زيارة أوباما للتنسيق لإقامة دولة فلسطينية ضمن الحدود الأردنية تحت مظلة الكونفدرالية معها, وبالتالي تحقيق دولة إسرائيلية عاصمتها القدس كما تريد إسرائيل وتحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في دول الجوار بمجيئهم إلى الأردن ثم يكون لاحقاً تسليم المنطقة وملف السلام بين سورية وإسرائيل لروسيا لتشرف على العملية فتخفف أمريكا من أعباء مساندتها لإسرائيل التي كلفتها كثيرا مادياً وسياسياً ويكون بالتالي هناك تقاسم لمنظومة المصالح الاستراتيجية بين روسيا وأمريكا في الشرق الأوسط مقابل تعهد روسيا بالحفاظ على مصالح أمريكا الاستراتيجية في شرق آسيا أمام المد الصيني ...‏

إضافة إلى كل ذلك نلاحظ تصفية الأدوات المستخدمة لتحقيق الاستراتيجية القديمة في إسقاط الدولة، فاستقالة المدعو معاذ الخطيب لم تكن بإيعاز خليجي بل بإيعاز أمريكي وعدم اعتراف المجموعات المسلحة بحكومة هيتو واغتيال المدعو رياض الأسعد وتصفيته سياسيا وعسكريا وتصريح المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بأن على الرئيس الأسد أن يفي بوعوده في القضاء على الإرهاب في سورية, فكل ذلك سيضع القطري في فخ كبير فهو الوحيد الذي سيخرج من دون جائزة ترضية حقيقية فهو سيكتفي بزعامة شكلية في الجامعة العربية ومنطقة الخليج مبدئياً إلى أن يحين ربما وقت إعادة رسم الخارطة السياسية للخليج فيكون للقطري دور في ذلك على حساب السعودي وباقي أطراف الخليج .. فالوضع السياسي حالياً بالنسبة لكل مرتزقة قطر السياسيين شديد التفكك والتشظي وهذا بالطبع لا يساعد الأطراف المعادية في تسويق قوتها في السياسة ولا الترويج لتحقق مشروعها ونحن نعلم أن أمريكا لن تقدم شيئاً بالمجان إذا لم تكن فعلاً قاب قوسين أو أدنى من تسوية كبرى مع روسيا وكل هذا الضجيج السياسي واجتماع النعاج ومقعد الجامعة العربية وسقوط بعض القذائف في عمق العاصمة والمناوشات على الحدود الجنوبية ليست سوى لصرف النظر عما يحصل فعلا من تسوية وجذب التركيز الإعلامي والسياسي باتجاه أحداث وهمية غير حقيقية واستخدام أي أثر لها في تحصيل أي مكسب ممكن أو محتمل من القيادة السورية .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية