|
رؤية الذاكرة إلى سنوات بعيدة عندما كنا نتبادل القصص والمجلات التي كانت المكتبة المدرسية تمدّنا بها لنعيد صياغتها من جديد، وكيف كنا نتبارى لننال المراكز الأولى في المناظرات الثقافية، وفي أحيان كثيرة نجمع القروش القليلة من مصروفنا اليومي لحضور صندوق الفرجة أو شراء بعض القصص والكتب التي كانت زادنا اليومي. هذا إلى جانب مشاركتنا بالأنشطة المدرسية في المناسبات الاجتماعية والوطنية عبر منظمتي الشبيبة وطلائع البعث. تلك كانت بيئتنا الثقافية التي أسست في داخلنا معنى المواطنة والانتماء ومعنى أن نكون حصناً منيعاً في وجه ثقافات لا تشبهنا، ولم تكن الكتب المترجمة إلا منبراً إضافياً يلقي علينا المزيد من المعرفة والاطلاع على ثقافات الآخر دون أن تأخذنا إلى دروب من التبعية والاستلاب الثقافي. واليوم إذ تتوافر السبل جميعها والقنوات المفتوحة على سماءاتها الواسعة نجد الكثير من أبنائنا يهجّرون قنوات الثقافة لتعج بهم المقاهي في هدر للوقت والمال والعقول، أنموذجهم الفنان الأجنبي» س» والرياضي» ع» ولباسهم لا هوية له، وتصبح الشوارع مرتعاً لهم بدل المسارح والمكتبات ودور السينما، وما يزيد الطين بلّة ما تكرسه العديد من البرامج والمسلسلات من بيئات بديلة لا تمت لنا بصلة قرابة. وحتى الأسرة فقدت حميميتها بعد أن أصبح الهاتف المحمول والفضاء الافتراضي سيد الموقف، فأين نحن من بيئة تحصّن أبناءنا، مع الاعتراف بالجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الثقافة بمديرياتها كافة لاستقطاب الشريحة الأكبر من الشباب واليافعين وحتى الأطفال، ولكن نحتاج مزيداً من الجهود لخلق المواطن المتفاعل بإيجابية مع واقعه، ودعماً لمواهبهم يضعهم على طريق الخلق والإبداع. |
|